عثمان ميرغني يكتب: عليكم الله اسمعوا كلامي

عثمان ميرغني يكتب: عليكم الله اسمعوا كلامي

هذا حديث صادق من القلب لشعب السودان النبيل، لديكم مَثل شعبي عظيم يقول (شهراً ما ليك فيه نفقة ما تعد أيامو)، وهي عبارة ذكية تُلخِّص الحاجة الماسة للنظر بمعيار المصلحة لتقييم التداخل والتفاعل مع الأشياء

صدقوني بكل حسرة.. “شَكَلَة” الساسة التي تُعرض الآن في سينما المشهد السياسي السوداني هي بالضبط “شهرًا ما ليك فيه نفقة”، فهي “شَكَلة كراسي” ومناصب، مهما تدثرت بالشعارات البرَّاقة وتدهَّنت بالهتافات المعسولة، فهي في النهاية ستصفى على قسمة كراسي بين الفرقاء، و (العروسة للعريس والجري للمتاعيس) وما أتعس الشعب الذي ظل ينتظر كل هذه العقود الطويلة منذ الاستقلال وما ناله منها إلا ما نال الصغار في قصيدة شاعرنا العظيم محمد المهدي المجذوب عن “ليلة المُولد”:

وردوه بالشوق.. وعادوا بالغبار.

ظل الشعب السوداني يرد “مُوُلِد الساسة” كل هذه العقود الطويلة فما عاد إلا بالغبار.

وطالما أن الديموقراطية لا تقوم إلا بالأحزاب والساسة فلا بأس، نفسح لهم المجال ليمارسوا السياسية كما يعرفون ويشتهون، ولكن بمبدأ (لكم دينكم ولي ديني)، أن نجعل السياسة أشبه بغرفة التدخين في المطارات العالمية، هناك منزوية في ركن قصي لمن يرغب، ولكن مصالح البلاد والعباد في مكان ومسار آخر موازٍ لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب.

كفاية..كفاية.. كفاية.. 67 سنة، منذ الاستقلال والساسة يتعلمون الحلاقة في رؤوس اليتامى من شعبنا الذي دفع من دمائه ثمناً للخلافات السياسة أكثر مما دفعه صباح معركة كرري بمدافع الغازي الأجنبي.

بالله عليكم يا شعب السودان النبيل.. احسبوا من قُتلوا منذ أحداث مارس 1954 قبيل الاستقلال وحتى اليوم.. في معارك السياسة المتوحشة.. وأسألوهم بكل حسرة .. بأي ذنب قُتلوا؟ وما الذي جنيناه من قتلهم؟

كفاية.. كفاية.. كافية .. 67 سنة، تجريب وتخريب وتفريط، فليكن للسياسة مسارها وللإدارة مسارها. من حق الساسة أن يقولوا ويفعلوا ما يريدون، ولكن في المقابل من حق الشعب السوداني أن يقول لهم بكل قوة: (العبوا بعيداً عن مصالحنا).

ما المتوقع؟ لو اتفق الساسة أو اختلفوا؟ ستتكون حكومة أقصى ما فيها أن ينال كل فريق منها نصيبه من الكراسي، ثم تمضي لعبة الكراسي إلى ما دون ذلك من المناصب، وتمر الأيام والسنوات – أن مرت بلا نكبات- وتتغيَّر حكومات وتتبدَّل ولا يتغيَّر أو يتبدَّل حال الشعب السوداني إلا إلى الأسوأ.

الأمر في غاية البساطة، فلنرفع شعار ( احكمونا لكن لا تديروا شأننا)، على رأي القول الشائع: ( دعوا الإدارة لنا واستمتعوا بالحكم).

الأمر لا يحتاج أكثر من تشريعات في المجلس التشريعي – إذا جاء- تجعل المناصب الدستورية السياسية والخدمة المدنية التنفيذية (بينهما برزخ لا يبغيان).

ما للسياسة للسياسة وما للإدارة للإدارة.

بالله اسمعوا كلامي.

لا تنتظر حكومة إلا إذا كان أبوك أو أمك أو عمك أو خالك .. وزيراً يهمك أمره.

(وشهراً ما ليك فيه نفقة ما تعد أيامو).

مقالات ذات صلة