مامان…..ورحلة الخلود شمالا

خواطر مسافرة

بقلم: السفير عبد المحمود عبد الحليم

…لم يك ابحار عبدالرحمن محمد صالح مامان مع مجرى النيل شمالا الى مصر طلبا للعلاج محض صدفه…..عندما ملأ اشرعته برياح الترحال الى هناك لم يك النيل خيارا بل كان قدرا…..كان كذلك لأن النيل عند مامان هو شفرة الحياة..وهو القادوس الذى يروى الشطآن فى قرانا والضفاف…وهو الحامل لترددات صدى الطنابير البعيدة …كأن قرار السفر مع النيل شمالا ملونا بأشواق (السبايق) وبذكريات مواسم الدميرة ووجد السواقى وانينها على الجروف…..عندما حزم مامان امتعة الرحيل شمالا كان وجهه انضر
مايكون اكتحالا بزرقة الماء وعذرية موجات الصباح الاولى…..لم يك ذهابه مع النيل شمالا كل ذلك…فربما اراد مامان مواصلة حواره مع النيل الذى عبره “زولى الشالتو الزهرة …”….وأمخرت عبابه الجلاء وكربكان..و ” ياالناسينا لا تنسانا…قلبى الشلتو عندك امانة “…..ربما اراد مامان وهو يختم رحلته في الحياة أداء حجة الوداع في نقطة مصب النيل قبل ان تتناثر مياهه وتذوب في البحر المتوسط…يقينى ان مامان اراد ان يرد تحية النيل وفضله على قرانا بأحسن منها…..
…..يهبط ركب مامان فى القاهرة….تزدحم موجات الأثير باتصالات الأهل والأحباب والاصدقاء….تأتيه من كل فج عميق ومن انحاء الدنيا المختلفة واريافها وحضرها ومهاجرها اصوات ودعوات المشفقين والسائلين عن اخباره ، فيرد عليهم وابتسامة عريضة نعرفها عنه تكسو محياه…..يمازحه دكتور عبد الرحيم عبد الحليم….” يامامان….يبقا عياكا دا من كترة شيل الجوز…” فيرد بقهقهة طويلة…” والله يبقا من لفخة حمارةِ”….
على ان الأطباء رأوا عجبا عندما أخضعوا مامان للفحص التشخيصى…،فقد شاهدوا في جسمه الفارع والنحيل جزرا من الحكمة والعلم والابداع…،. تبينوا بمجساتهم ان الجالس امامهم ” عالم اقتصاد” و”خبير احصاء” لايجارى و ” فنان بديع” و “عازف ماهر” و “خبير توثيق” و “اخو اخوان” و “حلال شبك ” و ” شيال تقيلة” ….وراى الاطباء عجبا ايضا….فقد شاهدوا جزرا من الحب وشلالات من المودة تغذى شرايين تعامله مع الآخرين …وشاهدوا بيارات من الاريحية والوفاء والتواضع… ..لعل ماادهشهم حقا ان جسمه كان يختزن بداخله جداول وسواقى القرير وبنطون مروى وجبل البركل وطمبورا بسلك حنين…

..بهذه الصفات ..ولان الموت نقاد يختار الجياد أختار ه المولى لجواره….لن انسي ظهر تلك الجمعة فى الرابع والعشرين من نوفمبر عندما اسلم الروح لباريها…..نم ابا محمد مع الخالدين….سنبكيك الى ان نلقاك بدمع سخين…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *