اقبال عبدالرحيم تكتب سلسلة مقالات كيف يحكم السودان من خلال التوثيق للشخصيات

الخرطوم/اثير نيوز

الشخصية الاولي /البروف الطيب زين العابدين
بروفسير الطيب زين العابدين قرابة العامين على الرحيل… رسوخ الفكر والتوجه (1)
بقلم اقبال عبدالرحيم
تأنيت كثيرا قبل أن أكتب عن استاذي بروفيسور  الطيب زين العابدين رحمة الله عليه، فهل اكتب عن بروفيسور الطيب الإنسان ام الأكاديمي ام السياسي الضليع الذي خسر الكثير في سبيل الدفاع عن الفكر والفكرة… بروفيسور الطيب كل ذلك فهو الإسلامي المنافح عن الفكرة بعيدا عن الغلو والتطرف وباسط الوسطية التي تميز السواد الأعظم من السودانيين… الطيب الإنسان السوداني شيخ العرب ابن مدينة الدويم العريقة  الذي يلتقيك بالجلباب السوداني والمركوب الفاشري مشاركا أفراح واتراح الجميع مواسيا وداعما اجتماعيا… الطيب الإنسان الذي لا يتورع أن يكون حادا ومتطرفا احيانا في سبيل إحقاق الحق وهو من واجه مدير جهاز المخابرات العامة الفريق صلاح قوش عندما صودرت صحيفة الايام في أوائل الإنقاذ  بمقولته المشهور (( هو ذاتو لو زول زي محجوب دا قبل يشتغل مع حكومتكم دي حقو تفرحو يا صلاح ) .. !) كما وثقها الصحفي محمد لطيف… بروفيسور الطيب لا يزايد عليه اثنان.. كنت استضيفه في البرامج السياسية لجرأته وتشريحه لازمات البلاد.. ولتحفظاته تلك غادر   السودان للعمل بالجامعة الإسلامية العالمية في باكستان، نائبا لرئيس الشؤون الأكاديمية، وعميدًا لكلية الشريعة والقانون، فهو صاحب العلم والمعرفة خريج   كلية الآداب بجامعة الخرطوم، وحاصل على شهادة الماجستير  ودرجة الدكتوراة من جامعة كامبريدج البريطانية…تتسابق إليه جامعات العالم لتنهل من معين معرفته..وكتب حينها من باكستان   في صحيفة قضايا دولية ، العدد 187، أغسطس 1993م مقالة بعنوان الإنقاذ وأزمة الحكم في السودان  (ولكن ثورة الإنقاذ قد رفعت راية الإسلام عالية فينبغي عليها الالتزام بأحكامه فلا تظلم فردا من الناس في ماله أو نفسه بحجة “الشرعية الثورية” أو تأمين النظام وظلم فرد واحد كظلم الناس جميعا. وقد أثبتت تجارب البشرية أن التأمين الحقيقي للحكم يكون في رد المظالم وإشاعة العدل. وأرى من المسىء لنظام إسلامي أن يقلل من ممارساته القمعية بسبب الضغوط الخارجية عليه من الدول والمنظمات التي تنافح عن حقوق الإنسان صدقا أو نفاقا!).. فمن المرجح انه  كان يأمل أن تنحو الإنقاذ في مسارها منحنى إسلاميا خالصا..
وظل ينافح وينضال من أجل الفكرة.. و بعد سنوات من الاغتراب قفل راجعا استاذا للعلوم السياسية بجامعة الخرطوم لينال درجة الاستاذية بجدارة في العام ١٩٩٧م التي احتفى بها طلابه وزملائه حينها من التيارات السياسية المختلفة رغم الخلفية الإسلامية للبروفيسور الطيب زين العابدين، و ترأسه  مجلس شورى “الحركة الإسلامية” السودانية في الفترة من 1978 إلى 1984م فقد تحفظ على إنقلاب  الإنقاذ ذو الصبغة الإسلامية، وكان من قيادات المفاصلة الشهيرة وسط المثقفين الإسلاميين بعد انفجار أزمة الخلافة وسط الحركة الاسلامية  .. هذا النسق من التفكير التوافقي قال عنه بروفيسور أحمد إبراهيم ابوالشوك (أنه كان أنموذجاً للمثقف العُضوي، الذي يُقدِّم مراجعات مفيدة للممارسات السياسية التي لا تتسق مع المنظومة الفكرية التي ينتمي إليها، ويبحث عن المشتركات مع الآخرين الذين يعارضونه في الرأي، ويدعو، جاهداً، النخب السياسية إلى التوافق، الذي يخدم المصالح الوطنية العليا، والدليل على ذلك محاولاته الراتبة في طرح خيار الديمقراطية التوافقية)…. هذا التصالح النفسي والتشارك المعرفي لمختلف المشارب جعله أنموذجا للعالم اللصيق بقضايا وطنه… فهو  من الداعمين لثورة ديسمبر   وتحسر حينها لوجوده خارج الوطن باعثا رسالة داعمة يقول فيها  “أجبرتني ظروف العلاج أن أكون في مدينة برايتون البريطانية مع بناتي وأحفادي؛ ولكني تمكنتُ من متابعة أحداث السودان من عدة مصادر ساعة بعد ساعة”.. فالثورة من وجهة نظره تحقق ما دعا له دائما الحرية والسلام والعدالة..فكتب عن انتصار الثورة في أولى مقالاته  في 16 فبراير ٢٠١٩م بصحيفة سودان نايل الإلكترونية بعنوان “النُصح بمُنعرج اللّوى لعلهم يستبينوه ضحى الغد”،  (إذا كان وضع البلاد الحالي مسدود الأفق منغلق على نفسه في ظل مطالب المتظاهرين الطموحة للتغيير الشامل وتمسّك الحكومة في استمرار الأوضاع كما هي وكأن شيئاً لم يحدث، توهماً منها أن الاحتجاجات ستنحسر وتنتهي بعد مرور أيام أو أسابيع حين يستنفد الشباب طاقاتهم بالكر والفر في حر الهجير الساخن وينالون قدرا من “التأديب” على سوء سلوكهم! لكني أظن أن العكس قد يحدث وهو أن تستنفد المظاهرات طاقات القوات الأمنية التي ترابط ساعات طويلة قبل الاحتجاجات وبعدها في أماكن عديدة نهارا وليلا! ومقابل ماذا يتحملون وزر ضرب الشباب وتعذيبهم؟ خاصة إذا شعروا أن الثورة قد تنتصر في وقت قريب.).. هكذا قرأ الملعب السياسي بحصافته وخبرته الطويلة ولم يجد مستجيب للسيناريوهات التي وضعها حينها… وظل يكتب للثورة حتى وصلت مقالاته ستة عشر مقالا آخرها في ٢ يناير ٢٠٢٠م  بعنوان “دعوة للتعايش الحسن بين أهل السودان”… ليشتد مرضه ويفارق الحياة يوم الخميس ١٤ مايو ٢٠٢٠م تاركا أثرا طيبا وعلما نافعا لطلابه وللاجيالذ القادمة… رحمه الله بروفيسور الطيب زين العابدين وجعل مثواه الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن واليك رفيقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *