خارج الصندوق .. م.سامي عبدالوهاب .. البندقية والسياسة في السودان

هاجم كثيرون بن خلدون لتخصيصه قدرا وافرا للحرب في مقدمته لدرجة دفعت البعض لوصفها بمقدمة الحرب ،وقد افترض بن خلدون ان الحرب نزعة بشرية بل افترض انها الحال الطبيعي لبني البشر حين قال ان اصل قيام الدولة والاجتماع البشري إنما هو قائم على دعامة التنازع والغربة بوجود وازع يدفع عدوان بعضهم بعضا .
بالمقابل نحى ارسطو منحى اخر نحو السياسة على أنها هي الحال السائد عند البشر فصورها انها كائن حي ولا يمكن ان تكون آلة.
بين ارسطو وبن خلدون سلكت المجتمعات مسالك مختلفة .
ولا يمكن ان تفوتنا في هذا المعرض القصة الشهيرة بين ملك له جار يمتلك كرمة جميلة فعرض ان يشتريها منه غير ان الجار رفض بيعها فغضب الملك المدلل وأصبح يبكي كالاطفال حتى أشارت عليه زوجته ان يصنع مكيدة للجار وسقط فيها وتم اعمامه ومن بعد حاز الملك على كرمة ومنزل الجار كلية ،وهنا تبرز قيمة الحرب والسياسة حتى صورها القس فرانسيس في قولته المشهورة ان الحرب تبدأ حين تفشل السياسة .
في السودان الأمر مختلف جدا فقد مثل المجتمع السوداني حالة فريدة من حالات الحرب والسياسة إذ وكلما نظرنا للتاريخ نظرة نقدية وهو ما أشار اليه بن خلدون ان النظرة النقدية للتاريخ تحوله من قصص واقاويل لمنهج علمي وموضوعي، فإذا ما أردنا عمل قراءة نقدية للتاريخ السوداني نجد انه حالة غريبة فعلا فالحرب لا تندلع حين تفشل السياسة بل ان الحرب تفتح افقا سياسيا جديدا ليمضي فيه المجتمع وان أخذنا أمثلة لمحطات فتحت فيها الحرب افقا للسياسة تحضرنا حرب مملكة النوبة مع مصر والتي عقبها بزوغ حضاري جديد في أرض النوبة لم يكن للحرب فيه يد حيث تطورت منظومة القيم عند النوبة للحد الذي صاروا فيه حضارة اخرى .
ولاتفوتنا هجوم الملك عيزانا ملك الحبشة وحروب دولة المغرة التي فتحت افقا واسعا بالنسبة لذلك الوقت وبرذت للسطح أولى نقاشات الهوية بعد هروب ملوك المغرة حتى نيجيريا عند قبيلة اليوربا ،لم يكن وقتها السؤال من نحن؟ شائعا حتى تكاثفت الاجابات حوله وشكلت افقا جديدا نمت تحته دولة جديدة فقامت على انقاض المغرة مملكة علوة جنوب الخرطوم والتي كانت أكثر ازدهارا من سابقتها، بل ان حرب المهدي مع المستعمر فتحت افقا جديدا لمقاربة تعاقدية بين المهدية وقبائل السودان كانت القضايا المؤدية لها الاكثر جدية بل لم تطرح من قبل.
الملاحظة الواضحة على تاريخ الحروب في السودان انها دوما ما تكون فتحا لمغلاق سياسي ،وكلما فتح نفاج سياسي تصبح القضايا محل النقاش اكثر عمقا ونضوجا .
الناظر بعمق لتاريخ الحروب في السودان يكاد يرى بأم عينيه ماستسفر عنه الحرب الدائرة الان ، ستضع الحرب اوزارها عاجلا ام اجلا وسيكون هنالك افقا جديدا قد انفتح للسياسة في السودان، هذا الافق له ملامح مختلفة تكون أكثر توسيما للهوية السودانية وله قضايا مختلفة هي الأكثر عمقا فيما طرح من قضايا طيلة تاريخ السودان القديم والحديث ولربما كان العمق للحد الذي تطرح فيه جغرافيا مختلفة وبضرورة أعلى سيتخلق نظاما سياسيا مختلفا بل حتى انماط اقتصادية مختلفة تنتج انساقا اجتماعية مختلف ،يتضح جليا التغيير الكبير الذي نحن مقبلون عليه.
التعويل كله على وعي المجتمع ومسؤولية النخبة تجاهه ونشاطها وحماستها نحو فتح ذلك الافق والدفع نحوه ليتم تثمير كل المجهودات ورد اعتبار كل التضحيات لتجد كل قطرة دم سفكت طريقها نحو المساهمة في بناء ذلك الافق وتدعيمه وتحصينه .
م.سامي عبدالوهاب حاج الامين

مقالات ذات صلة