القاهرة.. في تقرير للصحفية صباح موسي : الإتحاد الأفريقي يصوب بقوة خارج شباك أزماته الملحة

*الإتحاد الأفريقي يصوب بقوة خارج شباك أزماته الملحة :*
*ترحيب واسع للموقف تجاه غزة وانتقادات كثيرة واتهامات مبررة لأداء الإتحاد تجاه قضايا القارة*

أنهى الإتحاد الأفريقي أعمال قمته السابعة والثلاثين أمس الأول (الأحد) ببيان حوى 30 بنداً، ركز فيه بصورة ملحوظة على إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، ما لاقى ترحيباً كبيراً على مستويات إقليمية ودولية، فيما جاءت بقية بنود البيان حول أزمات القارة الأفريقية محل اهتمامه هزيلة وضعيفة.

ولم تول جلسات القمة الأفريقية أي نقاشات جادة للأزمة في السودان وليبيا، وما بين الصومال وإثيوبيا وفي منطقة الساحل الإفريقي والأزمة الدستورية في السنغال وتأجيل الإنتخابات هناك، وكذلك الاتهامات المتبادلة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا في شرق الكونغو، إضافة إلى مشاكل الإرهاب والفقر والمناخ في القارة.

ولم يسجل الإتحاد أي موقف حيال هذه الأزمات سوى بضع نقاط في بيانه الختامي، معظمها قد يكون مُرحلاً من قممه السابقة، ما فتح الباب واسعاً على دور الإتحاد الأفريقي والإصلاحات الداخلية فيه، والتي قد تكون هي الأولى بالمناقشة في مقبل الأيام.

“المحقق” تبحث في هذا التقرير تقييم آداء الإتحاد الأفريقي في حل مشاكل القارة، وتأثير دولة مقر الإتحاد في أديس أبابا على القرارات التي تخص إثيوبيا، علاوة على إلقاء الضوء على البيان الختامي للقمة.

نواقص واشكالات

الدكتور “محمد تورشين” الباحث السوداني في الشأن الأفريقي يرى أن الإتحاد لم يقدم كثيراً على صعيد المشاكل الداخلية للقارة، ولم يعكف على المبادرة الأفريقية التي تم إطلاقها في عام 2020، والرامية إلى إسكات البندقية في القارة. وقال تورشين لـ ” المحقق” إن الإتحاد ركز في هذه القمة على الدور الأفريقي في التصدي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعلى فلسطين بشكل عام، مؤكداً أن الإتحاد في هذا الإتجاه كان موفقاً في تبنيه لموقف جنوب افريقيا، وكذلك موقف المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، الرامي إلى إعادة النظر في القضية الفلسطينية بما يحقق حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته وتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين في قطاع غزة وفلسطين.

وأضاف: أما فيما يتعلق بالمشاكل الأفريقية فإن الإتحاد لم يناقش قضايا القارة بشكل جاد، سواء كان الأزمة في السودان، أو الصراع المحتدم في شرق الكونغو، والاتهامات المتكررة من قبل كينشاسا لرواندا بدعم حركة إم 23 وغيرها من الفصائل، والاتهامات المتكررة أيضاً من رواندا، وكذلك الأزمة الإثيوبية، حيث مازال الصراع في إثيوبيا محتدماً ما بين الحكومة المركزية والأمهرة وإعلان حالة الطوارئ، وهذا الأمر أيضاً لم يتم نقاشه، وتابع وأيضاً عضوية الدول التي تم تعليقها بسبب الانقلابات العسكرية، سواء كانت مالي أو النيجر أو بوركينافاسو، وتداعيات الأزمة الدستورية في السنغال، فضلا عن قضية المنظمات الإرهابية في دول الساحل ودول غرب كينيا وأثر ذلك على منطقة البحيرات، مؤكداً أن القضايا الأفريقية لم تنل حظها بشكل كامل، وقال عموما القادة الآفارقة الكثير منهم يركز الآن في من الذي سيتولى رئاسة مفوضية الإتحاد خلفا لـ “موسى فكي”، وربما يكون الرئيس القادم لكتلة شرق إفريقيا ربما هذا جعل الدول لا تهتم كثيراً بإثارة الأزمات المهمة بالقارة، لافتاً إلى أن إثيوبيا ظلت من خلال احتضانها لمقر الإتحاد الأفريقي تؤثر على الإتحاد بشكل كبير جدا، لاسيما في القضايا التي تمس إثيوبيا، حيث ظلت أديس أبابا تجير قرارات الإتحاد فيما يدور بين الحكومة المركزية وجبهة التيجراي، وكذلك فيما يتعلق بدور الإتحاد في سد النهضة، والآن لم يثر القضية الخطيرة جدا المرتبطة بتوقيع مذكرة تفاهم بين إقليم أرض الصومال الإنفصالي مع السلطات الفيدرالية في أديس أبابا، مؤكداً أن كل ذلك لديه تداعيات كبيرة على أمن واستقرار القرن الإفريقي وشرق أفريقيا وعلى القارة عموما.

وقال إن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود آثار قضية في غاية الخطورة بأن سلطات الأمن في اثيوبيا حاولت منعه من التقدم إلى مقر القمة وهذه فضايا مهمة، ولكن لم تتم إثارتها بأي حال من الأحوال، وهذا يؤكد أن أثيوبيا لديها دور فيما يخرج من الاتحاد وخصوصا ما يلي مفوضية السلم والأمن بالاتحاد، وكذلك المفوضية بشكل عام.
وفي ما يلي استقبال تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية السودانية ” تقدم”، قال في تقديري لم يتم استقبالها بشكل رسمي، وإنما في اطار العلاقات والصداقات التي تجمع عبد الله حمدوك مع قيادات الدول الأفريقية، مستدركاً في الوقت نفسه، “لكن عموما الإتحاد الأفريقي به العديد من النواقص والاشكاليات وعدم مناقشتها بشكل جاد ستسهم في تراجع دور الإتحاد في كثير من الأزمات نتيجة للمواقف غير الواضحة ونتيجة لعدم تعاطيه بشكل جاد في المواقف الإقريقية، وأن ذلك سيؤثر في مستقبله، وسوف يقوي دور التكتلات الاقليمية عليه، وسيجعل بعض الدول تعمل بشكل ربما يتقاطع مع مبادئ الإتحاد، وكل هذه الأمور في النهاية تجعل الإتحاد يستمر في حالة الضعف والوهن وعدم التصدي للقضايا الإفريقية المهمة، وسيجعل من إفريقيا ساحة للصراعات الإقليمية والدولية”.

خلل واضح
في المقابل أكد مصدر مسؤول بالاتحاد الإفريقي أن الإتحاد ناقش أزمات القارة في القمة في الجلسات المغلقة بشكل مستفيض. وقال المصدر -الذي فضّل حجب اسمه – لـ ” المحقق” إن الحلول قد تبدو صعبة في ظل عدم حضور الدول المذكورة، لأنها تحت طائلة العقوبات، سواء كانت الأزمة السودانية وأزمات الدولة المنسحبة من “ايكواس” مالي والنيجر وبوركينافاسو، وهي دول ممنوعة من الحضور، مضيفاً أن عدم وجود هذه الدول في الإجتماعات أحدث خللاً واضحاً في إيجاد الحلول. ومن المفترض أن تناقش هذه القضايا بحضور هذه الدول، مؤكدا أن قضايا الدول نوقشت باستفاضة تامة في الجلسات المغلقة والمغلقة جدا، ولم يكن بها سوى رؤساء الدول ووزراء الخارجية، مبينا أن الموقف في غزة كان قوي جدا، وأن البيان أيدته 27 دولة معظمها كانت مؤيدة للقرارات التي اتخذها الإتحاد الأفريقي والموقف الصلب الذي وقفه ، كما أوضح أن الإتحاد الإفريقي مكون من 55 دولة، وأنه من الصعب جدا أن تجير دولة مواقف الإتحاد لصالحها.

وقال إن الإتحاد مقسم لخمس مناطق أو أقاليم (شمال- جنوب- شرق- غرب- وسط)، وإن كل دولة تجد دعماً لها في إقليمها ومن بعض الدول، مشيرا إلى المشكلة الحاصلة في شرق إفريقيا ما بين إثيوبيا والصومال وجيبوتي، مؤكدا أنه لا تستطيع أي دولة أن تجير قرارات الإتحاد لصالحها، وأن هذا حديث الناس الذين لا يعرفون كيف يُدار الاتحاد، وقال إن كل دولة لديها دول تدعمها، وأن القرارات دائما تتخذ بالإجماع، وحتى قرار غزة اتخذ من 27 دولة، وكان هناك حوالي 4 دول معترضة بشكل خفيف، لأن الإتجاه العام كان يسير في اتجاه دعم القضية الفلسطينية، وقال حاولت الـ 4 دول أن تساوي ما بين فلسطين وإسرائيل لكن هذا لم يستطع تجيير القرار لصالح أي مجموعة، واتخذ القرار بالأغلبية، وجدد تأكيده بأن إثيوبيا لا تستطيع تجيير قرارات الإتحاد باعتبارها دولة مقر، وقال هذا صعب جداً فالجلسات وما رأيناه بأعيننا يؤكد صعوبة ذلك.

ترحيل القضايا
أما عمار العركي الباحث السوداني في الشأن الأفريقي فرأى من جهته أنه كعادة بيانات الإتحاد الإفريقي في السنين الأخيرة لا تخرج من عرض مشاكل وذكرها في التوصيات دون أي تقدم فيها وترحل من دورة إلى دورة.
وقال العركي لـ ” المحقق” إن الجديد فيها هي الجزئية الخاصة بغزة، ومايقارب ثلاث أرباع نقاط البيان مرتبطة بموضوع غزة، مؤكداً أن هذه هي الحسنة الوحيدة الملموسة في البيان، مضيفاً أن ذلك الموقف رغم الوضع المتردي الذي يشهده الإتحاد الآن، يمثل دورا قويا أو اقليميا بالمنطقة لا بأس به، علما بأنها ذات التوصيات بشأن غزة وتجريم اسرائيل والدعوة إلى تحقيق مستقل وإدانة الإبادات الجماعية هي أصلا كانت دفع من منطقة محددة في إفريقيا، والتي تبنت التوصيات وهي منطقة غرب إفريقيا، موضحا أن هذه المنطقة لم تستطع اسرائيل أن تحدث بها أي اختراق، وأنه لا توجد لإسرائيل بها أي سفارات، سوى نيجيريا فقط، وقال إن ثورة القرن انداحت في إفريقيا لكنها فشلت فشلا ذريعا في غرب إفريقيا، فهي منطقة مناهضة لإسرائيل، بالاضافة إلى مجهودات جنوب افريقيا والجزائر، أما باقي الدول لم يكن لها موقف واضح لأنها مطبعة مع اسرائيل، منوها إلى أن رئيس الإتحاد موسى فكي هو أحد الأسباب التي سرعت بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، واصفا كلمته في الافتتاح بأنها ما هي إلا ذر الرماد على العيون، مستذكرا ما جاء في الدورة السابقة للإتحاد من اختراق الوفد الإسرائيلي للقمة 36 للإتحاد، متهما الإتحاد بأنه كان خلف هذا الموقف وكذلك المفوضية.

وقال العركي لولا موقف جنوب إفريقيا والجزائر لكان الوفد الإسرئيلي قد حضر، فالوفد وصل من اسرائيل وتم دخوله القاعة، وكان هذا بترتيب من موسى فكي نفسه وتم الإحتجاح وتم الطرد، مؤكدا أن الوفد تمت دعوته، وأن اسرائيل وجدت دعوة وضوء أخضر وأنه لما جاءت إلى مقر القمة، وتابع أن وقتها موسى فكي شعر بالحرج وتم فتح تحقيق، وأحرجت حنوب افريقيا كذلك الاتحاد الآن بعد تصديها لإسرائيل، ولم يكن أمام فكي إلا أن يؤيد ذلك، كما اتهم فكي بأنه بعد الدورة السابقة للاتحاد كان هو مهندس خطة فتح السفارة الإسرائيلية في بلاده تشاد، مؤكدا أن الاتحاد تأثر بمواقف رؤساء الدول، وأنه يتأثر الآن بمواقف رؤساء الدول، لافتا أن الزعماء السابقين كانت لهم الهيبة والمكانة في القضايا الإقليمية ما قبل 2010، وقال أن الرؤساء الجدد من الوزن الخفيف وليس لديهم إرادة لصالح مصالح شخصية، وأن هذا أثر على الآداء مثل أبي أحمد ووليام روتو وكذلك موسى فكي المتواطئ – على حد تعبيره -، لافتا إلى فقرة الاصلاح في الإتحاد الإقريقي والتي تكررت كثيرا في البيانات السابقة ولم يحدث بها أي اختراق، وأن كل القضايا المهمة مرحلة ولم يحدث بها أي تغيير وأن الإنقلابات زادت وتيرتها والمشاكل تتكاثر وتتكاثر مع التوصيات، متوقعا أن تضاعف التوصيات في القمة القادمة.

فساد ومحاباه
وواصل الخبير السوداني في الشأن الإفريقي قائلا إن التقييم النهائي للإتحاد، هو أنه ليس هناك اتحاد بالمعنى الإقليمي، ككيان مواز للكيانات المشابهة، وإنه شتان بيه وبين الكيانات الدولية الأخرى، مشيرا إلى مشاركة دول خارجية في اجتماعات مجلس السلم والأمن، الأفريقي، وقال إن هذا لم يحدث في أي منظمة من قبل كما حدث بمشاركة الإمارات في أخطر آلية للإتحاد، كما أشار لاستقبال فكي لمستشار قائد الدعم السريع يوسف عزت من قبل، وهو مستشار سياسي لجهة متمردة لدولة هي عضو مؤسس في الاتحاد والتباحث معه في الشأن السوداني، وتابع أن هناك شواهد كثيرة لسيطرة دولة المقر على قرارات الإتحاد والمحاباة لإثيوبيا ظهرت في سد النهضة وفي تجميد عضوية السودان بما يخالف لوائح الاتحاد والتي تنص بأن الانقلاب هو تقويض أو تغيير سلطة شرعية منتخبة، وأن هذا ليس موجودا في السودان، وكانت عملية إصلاح، معتبرا أن تجميد عضوية السودان جاء لصالح فساد إداري وسياسي لمصالح دول ومنها دولة المقر ، لأن مصالحها بين سطور الوثيقة، مضيفاً إنه لم يتم التجميد في تشاد لأن تشاد فكي يعمل لمصالح دولته ويستغل الإتحاد في قرار الإتحاد لمصالحه.
مؤكدا أن شواهد تدخل اثيوبيا في قرارات الإتحاد الإفريقي كثيرة وواضحة، وأن الاتحاد أصبح فارغ المحتوى وانحرف بشكل كبير عن مشاكل القارة ومصالحها وحفظ الأمن والسلم بها، وأنه مازال يفرط في ذلك بهذا الفساد المالي والإداري.

وقال إنه تم تعيين وظائف في الاتحاد لترضيات على حساب القرارات، وأن الاتحاد يدار بعشوائية وبفساد ولصالح إثيوبيا، حتى قضية الصومال علما بأنها دولة عضو ولديها سيادة، وصومالي لاند اقليم ليس عضو ولا توجد دولة اعترفت به، وإن تماهي اثيوبيا معها وهنا يجب أن يكون للإتحاد دور واضح يدين سلوك اثيوبيا في عقد إتفاق مع اقليم متمرد داخل دولة عضو والتي لا يعترف الاتحاد نفسه بهذا الإقليم، وهذا أكبر مثال بأن الاتحاد يسير لصالح مصالح أديس أبابا.

مقالات ذات صلة