مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني يكتب : تطورات الموقف الأمريكي وأسباب تأجيل منبر جدة …

تصريحات امريكية مفاجئة صدرت خلال الأسبوع الماضي بعد يوم واحد من إعلان الحكومة السودانية ممثلة في وزارة الخارجية السودانية والتي تحدثت في بيان مقتضب عن ان الطرف الحكومي لم تتم دعوته لاستئناف مفاوضات منبر جدة في الثامن عشر من ابريل ٢٠٢٤ م واضاف بيان الخارجية ان ماتم تداوله بشأن ضم أطراف اقليمية جديدة اخري للمنبر مثل الإمارات ومصر، تتحفظ على هذا المقترح الحكومة السودانية وهي لم تبديء فيه
الموافقة حتى الآن ، وبعد ذلك التصريح بيوم واحد أصدر المبعوث الأمريكي للسودان توم بيريلو تصريحا أشار خلاله الي انه من الصعوبة استئناف مفاوضات منبر جدة في الثامن عشر من ابريل الجاري بيد انه ذكر عبارة تبدو غامضة ولم يجد لها المحللين تفسيرا بقوله ان المفاوضات تجري كل يوم !! ، وخلال تصريحاته اشاد المبعوث الأمريكي بالبرهان ممتدحا دوره في توصيل الإغاثة واردف قائلا ” ان الضرورة تقتضي البحث عن شركاء اقوياء مستعدين لاحلال السلام ‘ مثل البرهان وحركات الكفاح المسلح السودانية ، ولم يتحدث المبعوث الأمريكي عن الطرف الآخر اي قيادة مليشيا الدعم السريع ولم يذكر قائدهم الميت الحي حميدتي او نائبه عبدالرحيم دقلو.
جدير بالذكر أن المبعوث الأمريكي الجديد للسودان توم بيريلو قد تم تعيينه في فبراير ٢٠٢٤ م الماضي خلفا للسفير جون جودفري الذي تقدم باستقالته بعد ان كان يتولى وظيفتين قائم بأعمال السفارة الأمريكية بالسودان ومبعوث خاص للإدارة الأمريكية وغادر غير مأسوفا عليه بعد ان فشل في اخفاء تحيزه وتأييده الفاضح لمليشيا الدعم السريع والمجموعات السياسية المؤيد لها ، وقد بدأ المبعوث الأمريكي الجديد للسودان مهمته في بداية مارس ٢٠٢٤ م بتصريحات توحي بالسير في طريق سلفه جون جودفري وركز في بداية نشاطاته على الالتقاء بقيادات تقدم وبعض منظمات المجتمع المدني المؤيد لهم ، ولكن ربما فكر وتدبر أمره وخشي من ان يقع فريسة للخداع والتضليل وتختلط وتتعقد أمامه أوراق الملف السوداني، وعليه قرر ان لا يركز جهوده في الاستماع لوجهة نظر أحادية لحقيقة مايجري في السودان ورأي بضرورة ان يوسع دائرة تحركاته ، لذلك اتجه لعقد لقاءات مع أطراف اخري غير الحرية والتغيير ، ولعل تصريحاته الأخيرة قد أصبحت متوازنة بعض الشيي حيال مايجري في السودان بعد مجموعة لقاءات عقدها مع تكتلات سياسية سودانية مختلفة
وسعي من خلال تلك اللقاءات لمعرفة اراء كل الوان الطيف السياسي السوداني وربما محاولة التعمق أكثر في دراسة الحالة السودانية للوصول إلى قراءة صحيحة للأحداث على الأرض ، ويبدو الان ان المبعوث الأمريكي الجديد متأنيا بعض الشي في إظهار تأييده او انحيازه للطرف الاخر الذي يحارب الجيش الحكومي السوداني وهي مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي مجموعة (تقدم) وهي مجموعة سياسية تجد بعض التعاطف من مجموعة سيناتورات لاينظرون الي جرائم الدعم السريع بعين المحايد بل انهم يتجاهلون تماما ماتفعله تلك المليشيا من فظائع وفقط ينظرون إليها من زاوية انها هي المجموعة السياسية التي يجب أن تحكم السودان عبر غطاء او مظلة ع الحكم المدني ، كما أنها المجموعة التي ستنفذ كل مطلوبات اللوبي الأمريكي المساند لإسرائيل هو اللوبي الذي يدعو الي ابعاد الاسلاميين عن المشهد السياسي في السودان او في اي دولة عربية او إسلامية مناهضة للكيان الصهيوني ، وبرغم من علو الأصوات المنادية بتصنيف الدعم السريع كمنظمة ارهابية من داخل الإدارة الأمريكية الا انه من الواضح أن المجموعات المناهضة للسودان الداعية الي عدم إتاحة الفرصة للجيش السوداني لتحقيق انتصار على، المليشيا ، من الواضح أن نفوذ تلك المجموعات هو الاقوى ، إذ ان الولايات المتحدة الأمريكية تدرك تماما مستوى الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع و الانتهاكات الفظيعة في حق المدنيين بيد ان ردود الأفعال لم تكن بالمستوى المطلوب وحتي الان لم تتخذ الإدارة الأمريكية موقفا حازما وقويا برغم من إصدارها بعض القرارات الخجولة ضد قائد ثاني المليشيا عبدالرحيم دقلو والقائد المليشي بغرب دارفور عبدالرحمن جمعة المتهم الأول في جريمة تصفية والي غرب دارفور والتمثيل بجثته وحرق المدنيين ودفنهم أحياء في الجنينة ورغما عن تلك القرارات الا ان دقلو الصغير يتحرك بحرية ويتجول بحرية في الاجواء مابين تشاد و العديد من العواصم العربية والافريقية ولم تحتج الإدارة الأمريكية او تتفوه بكلمة واحدة حيال ذلك مايشير الي انها قد أصدرت تلك القرارات كنوع من الترضية واسكات بعض الأصوات لمجموعات الضغط الأمريكية التي تنادي بضرورة تصنيف الدعم السريع مجموعة ارهابية،
وتواصلا لتطورات الموقف الأمريكي، طالب السيناتور جيم ريتش عضو لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس طالب بضرورة تصنيف الدعم السريع مليشيا ارهابية بسبب ما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية والابادة الجماعية التطهير العرقي تجاه مجموعات سكانية بالسودان ، وجاء ذلك خلال جلسة الاستماع الخميس الماضي ١١/٤/٢٠٢٤
للمبعوث الأمريكي للسودان مع عدد من أعضاء الكونجرس لاحاطتهم بأخر تطورات الموقف في السودان.
وكما أشرنا ان المبعوث الأمريكي الجديد يبدو أنه يحاول جاهدا الاستفادة من أخطاء سلفه جون جودفري الذي تبني وجهة نظر أحادية لمجموعة تقدم واعتبر كل مقترحاتهم وارائهم ومعلوماتهم عن الوضع في السودان هي الحقيقة والحل لابد من ان يأتي منهم وعبرهم، ولذلك فشل وتقدم استقالته بعد ان تكشف مجموعة حقائق ، فربما جاءته الحقيقة مجردة من تقارير أمنية خاصة او من قراءة للوضع الميداني في السودان (شوف عين) ذلك الوضع الذي يقول بغير ماتدعي مجموعات تقدم الفندقية واعلام مليشيا الجنجويد ، فالمبعوث السابق ربما يكون قد صدم بظهور تيار شعبي كبير مؤيد للجيش السوداني و ظهور المقاومة الشعبية التي كانت مثل السيل الهادر واختفاء التيار الشعبي من الشباب الثوري ، ذلك التيار القوي والكبير الذي كان مناصرا ومساندا لاطروحات تكتل
الحرية والتغيير (مجموعة تقدم ) وهو تيار كانت تمثله المجموعات الشبابية التي كانت
تنظم التظاهرات المؤيدة لهم وترفع اللافتات المسيئة للجيش والأجهزة النظامية بالسودان، فبعد الحرب وإظهار الحرية والتغيير تأييدها الفاضح لمليشيا الدعم السريع بذريعة وحجة ساذجة ملؤها النفاق (لا للحرب) ، هذا الموقف المخزي افقد الحرية والتغيير ماتبقي من مناصريهم فتلاشت وتخلت عنهم تماما المجموعات الشبابية ، واصبحت الان الحرية والتغيير باسمها الجديد (تقدم) عارية بلا غطاء شعبي ، وتشير الدراسات الميدانية الي ان أكثر من ٩٠ ٪ من الشباب الثوري قد أعلنوا تاييدهم ومساندتهم للجيش الوطني السوداني في معركة الكرامة ضد الجنجويد وجناحهم السياسي تقدم الفندقية.
من جانبها رأت الإدارة الأمريكية انه من الضروري في الوقت الحالي ان يتم تأجيل استئناف منبر جدة بعد ان أجرت مشاورات مع بعض حلفائها بالمنطقة ومنهم المملكه العربيه ومصر ، فتم الاتفاق على تأجيل المفاوضات الي حين الحصول على موافقة الحكومة السودانية لتوسيع ماعون التفاوض و انضمام أطراف اخري الي المنبر وهو امر ترفضه الحكومة السودانية بشدة ، كما أن المملكة العربية السعودية تدرك تماما انه من الصعوبة بمكان ان يتم استئناف مفاوضات جدة قبل موافقة الدعم السريع على تنفيذ اتفاقية الثامن عشر من مايو ٢٠٢٣ م وابرزها البند الخاص بخروج الدعم السريع من منازل المواطنين و الاعيان المدنية مع عودته الي معسكراته حول العاصمة وهو امر كذلك يرفضه الدعم السريع بشدة لانه يعني نهاية الحرب وانتهاء امبراطورية ال دقلو سياسيا وعسكريا .

مقالات ذات صلة