عمار العركي يكتب :الاتحاد الإفريقي يُعيد الجابون ويترقب غينيا… فماذا عن السودان

▪️في أول الاسبوع الماضي ، أعاد الاتحاد الإفريقي عضوية الجابون المعلقة منذ انقلاب أغسطس 2023، ويُرتقب أن تحذو غينيا كوناكري المسار ذاته قريبًا. هذا الحراك داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي لاحتواء تداعيات التغييرات غير الدستورية يطرح سؤالًا حيويًا في الشأن السوداني: متى وكيف يستعيد السودان عضويته؟
▪️فقد عُلقت عضوية السودان في الاتحاد بقرار صادر عن مجلس السلم والأمن الإفريقي بتاريخ 26 أكتوبر 2021، بعد يوم واحد من الإجراءات التصحيحية التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. وقد ربط القرار الإفريقي بشكل واضح عودة السودان بمطلبين أساسيين: تشكيل حكومة بقيادة مدنية، واستئناف الترتيبات المؤدية إلى استعادة النظام الدستوري.
▪️ورغم أن “خارطة الطريق” التي أعلنها البرهان لاحقًا لامست هذا الاتجاه، فإن العثرة الأساسية تمثلت في نقطة محورية: تسمية رئيس وزراء مدني يقود الحكومة، بغض النظر عن حجم الصلاحيات أو الظروف السياسية. ولو تحققت هذه الخطوة في وقتها، لكان من الممكن رفع التعليق واستعادة السودان لمقعده.
▪️لكن تعقيدات المشهد السوداني سرعان ما تضاعفت مع اندلاع الحرب في أبريل 2023، ما أضاف بُعدًا استثنائيًا يستدعي مراجعة مرنة للموقف الإفريقي. إذ لم يعد من المنصف، أو الواقعي، إبقاء البلاد خارج المنظومة الإفريقية في ظل صراع مسلح وتحديات سيادية جسيمة.
▪️ويُقدّم السودان في هذا السياق حجة قانونية وسياسية وجيهة: قرار التعليق لا ينطبق على حالته وفقًا لميثاق الديمقراطية والحكم والانتخابات في إفريقيا، الذي يربط “التغيير غير الدستوري” بإطاحة حكومة منتخبة ديمقراطيًا، وهو ما لم يكن متحققًا في السودان منذ بدء المرحلة الانتقالية في 2019، التي افتقرت لأي عملية انتخابية مكتملة أو شرعية ديمقراطية راسخة،بل إن السودان، وفقًا لتقييم داخلي متداول في دوائر المتابعة، ظل يواجه مشكلة جوهرية في نظرة الاتحاد الإفريقي إلى مسار الانتقال المؤسسي، إذ يتم التقييم بناءً على توفر مجلس تشريعي، وهيئة انتخابات، وهيئة إحصاء، ومحكمة دستورية، ودستور متوافق عليه، وزمن انتخابي محدد، وهي كلها عناصر لم تكن متحققة حتى قبل أحداث أكتوبر 2021.
*_تعقيدات المشهد السوداني بعد الحرب… وتراكمات ما قبلها_*
▪️منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، دخل السودان في وضع استثنائي بالغ التعقيد، تجاوز المعايير التقليدية التي يتعامل بها الاتحاد الإفريقي مع حالات تعليق العضوية. فالحرب غيّرت شكل السلطة، ونقلت مركز القرار من العاصمة إلى مناطق أخرى، وتراجعت فيها أولوية الملفات الخارجية لصالح الضرورات الأمنية والعسكرية.
▪️لكن هذه التعقيدات لم تبدأ في أبريل 2023 فقط، بل تعود جذورها إلى فترة الحكومة الانتقالية بقيادة “د.عبد الله حمدوك”، التي وقفت عاجزة – بل متواطئة – باحداث اختلالات خطيرة في علاقة السودان بالاتحاد الإفريقي، خاصة في سياق تدخل دولة المقر – اثيوبيا – والإنحياز الواضح لبعض دوائر و مسؤولي المفوضية الإفريقية.
*_من قرار التعليق إلى تعقيدات التفعيل: لعبة النفوذ داخل الاتحاد الإفريقي_*
▪️لم يكن قرار تعليق عضوية السودان بتاريخ 26 أكتوبر 2021 قرارًا فنيًا صرفًا، بل نتيجة تدخلات معقدة، على رأسها الدور المهيمن للمفوضية الإفريقية، لا سيما مفوض السلم والأمن السابق “بانكولي أديوي”، ورئيس المفوضية “موسى فكي”. فبدلًا من قيام المفوضية بدورها كهيئة فنية، تحولت إلى فاعل سياسي، مارست نفوذًا واسعًا على أجندة مجلس السلم والأمن الإفريقي، وصاغت البيانات ووجهت النقاشات، ما أفرغ القرار من الحياد المفترض.
▪️أيضاً، فقد ساهمت حكومة “د.عبد الله حمدوك”، ووزيرة خارجيته “مريم الصادق المهدي” وسفير السودان السابق وآخرون بشكل كبير ، في الدفع الخفي نحو هذا القرار، تحت تأثير حسابات سياسية ضيقة وتقاطعات خارجية. وهو ما جعل ملف السودان ، في نظر عدد من أعضاء المجلس، محاطًا بشبهات تدخل داخلي وتواطؤ مع جهات خارجية.
▪️وهذا ليس بغريب او جديد علي حكومة “د.عبدالله حمدوك” ووزارة “مريم الصادق” حيث سبق وأن تم تجاهل اعتراض مجلس السيادة آنذاك على آلية “الترويكا الدولية”، التي أُقحِم فيها الاتحاد الإفريقي بدور غير متوازن. كما لم يتم التصدي لاي مواقف منحازة لدولة المقر – أثيوبيا – ضد السودان ، خاصة حيال ملفي سد النهضة و الفشقة مما ألحق ضررًا مباشرًا بمصالح السودان الاستراتيجية.
▪️هذا التراكم من الأخطاء والإهمال ترك إرثًا ثقيلًا على السلطات الحالية، التي تواجه اليوم مشهدًا مضاعف التعقيد.، صراع داخلي، وموقف إفريقي سلبي، وسرديات غير دقيقة، ونفوذ مفوضية أصبحت خصمًا بدل أن تكون وسيطًا.
*دور البعثة السودانية في أديس أبابا*
▪️استأنفت البعثة السودانية الدبلوماسية نشاطها بهدوء وفاعلية، وكان من أبرز إنجازاتها ،تنظيم زيارة مجلس السلم والأمن الإفريقي للسودان (أكتوبر 2024)، وإستئناف التواصل المباشر، وصدور بيان مارس 2025 الذي أدان دعم إنشاء حكومة موازية. كما نجح المندوب السوداني السفير الزين ابراهيم ، في انتزاع مواقف مؤيدة خلال جلسة مارس الافتراضية بإبراز أن ازتعليق لا يتطابق مع ميثاق الاتحاد، لعدم وجود حكومة منتخبة أُطيح بها.
_محورية تشكيل حكومة مدنية_
▪️ظل تشكيل حكومة بقيادة مدنية – حتى ولو رمزية – هو المطلب الأساسي المعلق. غير أن السودان لم يقدِم على هذه الخطوة حتى الآن، واكتفى بمحاولات تشكيل وزارات بشكل منفصل أو تكليفات محدودة دون استصحاب رهان التعليق ، ما يُضعف الحجة أمام الاتحاد ويكرّس حالة الشلل القاري.
_*ما يجب على السودان القيام به*_
▪️في ضوء التجارب الإفريقية الأخيرة، وضمن مساعي السودان لاستعادة مقعده داخل الاتحاد الإفريقي، هناك مجموعة من الخطوات العملية التي يمكن أن تعزز فرصه وتُشكّل أساسًا قويًا لمخاطبة الاتحاد بحجة واقعية وفعّالة:
* تشكيل حكومة مدنية بقيادة رئيس وزراء مدني، حتى في ظل تعقيدات الحرب، باعتبارها خطوة رمزية وسياسية تُظهر التزام السودان بالمطلب الرئيسي للاتحاد.
* معالجة الوضع الاستثنائي الناتج عن الحرب من خلال تقديم سردية موثقة للاتحاد الإفريقي، تشرح تعقيدات الصراع القائم، وتدعو للتعامل مع السودان كحالة خاصة تستوجب مقاربة مرنة.
* العمل على استعادة النظام الدستوري تدريجيًا بما يتماشى مع الواقع الميداني والسياسي، دون الانصياع لضغوط ترتيبات مؤسسية غير واقعية أو شروط مسبقة تعجيزية.
* التأكيد على أن ما جرى في السودان لم يكن انقلابًا على حكومة منتخبة ديمقراطيًا، بل جاء في إطار عملية انتقالية مضطربة لم تبلغ مرحلة الديمقراطية الكاملة، ما يُبطل انطباق مفهوم “التغيير غير الدستوري” حسب ميثاق الاتحاد.
*_المسار الدبلوماسي المطلوب… من الخارجية إلى الرئاسة_*
▪️أثبتت التجربة أن الجهود الدبلوماسية الرسمية، رغم أهميتها، لم تعد كافية لاستعادة موضع السودان داخل المنظومة الإفريقية، في ظل الانقسام داخل الاتحاد وتحوّل بعض أجهزته إلى منصات ضغط سياسي غير محايدة.
▪️لذا، فإن المعركة الدبلوماسية تحتاج إلى إسناد رئاسي مباشر، يقوده رئيس مجلس السيادة بنفسه، بالتنسيق مع وزير الخارجية الجديد، لتبني مسار دبلوماسي فاعل وموجّه نحو الاتحاد الإفريقي. هذا المسار يجب أن يُبنى على:
تقديم رؤية سياسية مدعومة قانونيًا لإبطال مفعول قرار التعليق، مع فتح قنوات مباشرة مع رئاسة الاتحاد الإفريقي والدول المؤثرة داخله.
▪️استخدام المنابر الدولية لتوضيح الظلم الواقع على السودان بسبب استمرار تجميد عضويته رغم خصوصية حالته.
▪️إن هذا الدور الرئاسي في الدبلوماسية الإفريقية لم يعد ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لإنهاء حالة التعليق وإعادة السودان إلى موقعه الطبيعي في القارة.
*_خلاصـة القول ومنتهـاه_*
▪️على السودان أن يتخذ خطوة حاسمة نحو تشكيل حكومة مدنية، مستفيدًا من الظرف الاستثنائي للحرب لتقديم مرافعة سياسية وقانونية قوية أمام الاتحاد الإفريقي، تراعي واقعية المرحلة وتصحح المفاهيم المغلوطة عن “الانتقال هو المؤسسي” الذي لم يكتمل أصلًا منذ عام 2019. فالإصرار على المعالجات الجزئية والتكليفات المحدودة لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد التجميد وفقدان المزيد من الفرص. كما أن بقاء الملف الدبلوماسي دون إسناد رئاسي مباشر يعني تركه في مرمى نفوذ خصوم السودان داخل الاتحاد الإفريقي.