وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي : خطتنا السياسية والدبلوماسية

يعيش السودان مرحلة فارقة في تاريخه المعاصر، تتطلب من قياداته ومؤسساته الرسمية تفعيل أدوات السياسة الخارجية بفعالية أكبر، لمواجهة ما يُعتبر عدوانًا سافرًا من دولة الإمارات على سيادته ووحدة أراضيه، وفقًا لما أعلنه مجلس الأمن والدفاع الوطني. في هذا السياق تبرز الحاجة الملحة لإطلاق حملة دبلوماسية وإعلامية واجتماعية شاملة، تهدف إلى كشف الدور الإماراتي في تأجيج الصراع، من خلال الدعم العسكري واللوجستي لمليشيات متمردة ارتكبت جرائم حرب موثقة ضد المدنيين، ودمرت البنية التحتية الحيوية في عدد من المدن السودانية.
إن وزارة الخارجية السودانية، عبر سفرائها ومبعوثيها، مطالبة اليوم بالتوجه العاجل إلى العواصم الإقليمية والدولية، لإعداد ملف موثق حول هذا العدوان، وزيادة اللقاءات مع وسائل الإعلام العالمية لتوضيح أبعاده بالكامل، وكشف الانتهاكات التي تمت بدعم إماراتي مباشر، سواء عبر الطائرات المسيّرة أو الإمدادات العسكرية.
كما أن المجلس السيادي وكبار المسؤولين في الدولة مطالبون بتنظيم جولات خارجية مدروسة، تشمل الدول ذات التأثير في صناعة القرار الدولي، من أجل حشد التأييد لقضية السودان، وبناء جبهة دبلوماسية لوقف هذا التدخل السافر.
بالإضافة إلى المسار الثنائي، فإن تفعيل المنابر الإقليمية والدولية أصبح ضرورة قصوى، بدءً بالدعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن و جامعة الدول العربية، بحيث يُدرج بند العدوان الإماراتي على جدول أعمال الاجتماع المرتقب في مايو الجاري في العراق. ويجب التنسيق أيضًا لعقد قمة في منظمة التعاون الإسلامي، فضلًا عن مخاطبة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وكافة المنابر الدولية، بهدف تشكيل رواية سودانية موحدة تجد القبول والدعم في المحافل الدولية.
تكمن خطورة العدوان الإماراتي في كونه لا يقتصر على دعم مليشيا الدعم السريع، بل يشمل أيضًا ممارسة مباشرة لإرهاب الدولة عبر قصف المدنيين والبنية التحتية في بورتسودان، وهو سلوك يتماشى مع أنماط الحروب غير المشروعة التي يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني. إن استمرار الصمت الدولي أو الحياد السلبي إزاء هذا العدوان يُعد مشاركة ضمنية في تعقيد الأزمة السودانية وإطالة أمد معاناة شعبنا.
في هذا السياق، تبرز أيضًا أهمية التحرك على مستوى إدانة مليشيا الدعم السريع، التي أثبتت الأحداث أنها الذراع المنفذة لهذا العدوان بالوكالة والمدعومة إقليميًا. لم تعد المليشيا مجرد قوة متمردة، بل تحولت إلى تنظيم يمارس جرائم إرهابية ضد المدنيين بشكل منظم، مستهدفة البنية التحتية مثل محطات الكهرباء، والمستشفيات، ومخازن الوقود، باستخدام أسلحة متطورة مثل الطائرات المسيّرة الانتحارية.
هذه الانتهاكات الجسيمة تستوجب تحركًا حاسمًا لتصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية، بما يترتب عليه من تجميد أصولها، وملاحقة قادتها، ووقف الإمدادات التي تتلقاها من داعميها الإقليميين، وعلى رأسهم دولة الإمارات، كما كشفت تقارير من منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” في تقرير صدر في فبراير 2025، وتقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة في مارس 2025، إضافة إلى تقارير من منظمات حقوقية وصحف أمريكية وبريطانية موثوقة مثل “الغارديان” و “نيويورك تايمز” أبريل 2025.
إن توثيق هذه الجرائم وتقديم الأدلة إلى المحافل الدولية، مثل صور الأقمار الصناعية، وتقارير منظمات حقوق الإنسان، وشهادات الضحايا، هو المفتاح للحصول على إدانة دولية واضحة، لا للمليشيا فقط، بل للجهات التي تموّلها وتسلّحها. كما يجب أن يترافق هذا الجهد الرسمي بتحرك شعبي ومدني عابر للحدود، تنفّذه الجاليات السودانية والناشطون الحقوقيون داخل وخارج البلاد، لتحريك الرأي العام العالمي ودفعه نحو محاسبة هذه المليشيا وداعميها.
على الصعيد الداخلي، تمثل وحدة الجبهة الوطنية حجر الأساس لأي تحرك ناجح. على القوى السياسية والمدنية أن ترتقي إلى مستوى التحدي، وتتجاوز الخلافات الصفرية، وتتمسك بدورها في حماية الوطن. كما يجب أن يكون الانخراط الفعّال من القوى السياسية التي وقفت منذ البداية إلى جانب القوات المسلحة، وساهمت في تعبئة الشارع السوداني، مدخلًا لتقود دبلوماسية شعبية، وتبدأ تحركات إقليمية ودولية.
المرحلة الحالية تتطلب شجاعة في اتخاذ القرارات، ومرونة في التواصل، واتساعًا في أفق التحالفات. يجب تجاوز الخلافات الداخلية، وإيجاد الحافز لإطلاق حوار وطني سوداني–سوداني شامل، يعيد ترتيب الأولويات، ويركز على المصلحة الوطنية العليا في مواجهة عدوان خارجي خطير يهدد سيادة الدولة وبنيتها الاجتماعية والسياسية.
هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن العدوان الإماراتي المباشر على السودان يمثل تحولًا خطيرًا في مسار الحرب، ويستدعي ردًا دبلوماسيًا وإعلاميًا متكاملًا، يحشد الرأي العام العالمي، ويعيد التوازن إلى المشهد الإقليمي الذي تأثر بفعل النفوذ المالي الإماراتي. لقد حان الوقت لكي يقول السودان كلمته، موحدة، قوية، ومدعومة بإرادة وطنية صادقة، تبدأ في رسم ملامح مستقبل السودان والسودانيين.
دمتم بخير وعافية.
الجمعة 9 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com