وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي : 10 ملاحظات حول رواية كيكل !

في سياق بالغ الحساسية، نشرت” منصة الشعب الإلكترونية” تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها اللواء أبوعاقلة كيكل، القائد السابق في مليشيا الدعم السريع والمنضم حديثاً إلى صفوف الجيش السوداني، كشف فيها عن معلومات خطيرة تتعلق بقائد المليشيا محمد حمدان دقلو “حميدتي” ، وظروف إدارته للحرب وتواصله مع القادة. وقد حملت هذه الإفادات دلالات متعددة، أثارت تساؤلات حول مدى مصداقيتها، وتوقيت طرحها، والرسائل التي تسعى لتوصيلها، لا سيما في ظل التعقيدات السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد.
في المقابل، وفي وقت سابق في لقاء تلفزيوني ذهبت تصريحات الفريق أول طيار صلاح عبد الخالق، القائد السابق لسلاح الطيران وعضو المجلس العسكري الانتقالي المستقيل ، إلى أن حميدتي قد تم تحييده منذ وقت مبكر، وأنه فعلياً أصبح خارج المشهد منذ أبريل 2023، وهو ما يعمق التناقض بين الروايتين ويزيد الحاجة إلى التدقيق والتحليل.
وعليه، فإن هدفنا في هذا التحليل لا يتمثل في إثبات أو نفي وفاة حميدتي ، بل في تفكيك تصريحات اللواء كيكل نفسها، وقياس مدى اتساقها مع المعطيات الميدانية والسياسية، وفقاً لأسس التحليل السياسي والأمني، لفهم أبعادها وتأثيرها على مجريات المشهد السوداني الراهن.
في جلسة مغلقة بمدينة بورتسودان ضمت عدد من رؤساء تحرير الصحف السودانية ، أدلى اللواء قائد “درع السودان”، أبوعاقلة كيكل، بتصريحات مثيرة حول وجود قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” في الخرطوم حتى الأيام الأخيرة قبيل استعادتها من قبل الجيش في 21 مارس 2025 م عقب استعادة القصر الجمهوري . وقد شملت تصريحاته معلومات عن تحركات حميدتي، قافلة الحماية، تدخلات إماراتية، وأدوار قيادية مفترضة. ورغم ما أثارته هذه الرواية من اهتمام إعلامي، إلا أن فحصها بعين تحليلية يكشف تناقضات وشبهات تستوجب التمحيص. وفيما يلي عشرة ملاحظات نقدية:
1. التشويش على الاتصالات بمحيط 100 كم:
تحدث كيكل عن استخدام قائد المليشيا أجهزة تشويش تغطي دائرة قطرها 100 كيلومتر، وهو ما يعني فعليًا شلّ كامل ولاية الخرطوم اتصاليًا. مثل هذا التشويش واسع النطاق يتطلب تقنيات لا تملكها سوى الدول الكبرى. لم يُرصد هذا التأثير عمليًا من المواطنين أو من شركات الاتصالات أو الإعلام، كما لم يمنع طيران الاستطلاع أو المسير من تنفيذ مهامه، مما يجعل هذا الادعاء موضع شك كبير.
2. غياب التفاصيل التقنية:
لم يتطرق كيكل إلى نوع أنظمة التشويش، مصادرها، أو مواقع تشغيلها، ما يفرغ هذا الادعاء من مضمونه العملي. الأهم أن قدرات الجيش السوداني – الجوية والاستخبارية – ظلت فعالة في تلك المرحلة، ما يدحض فكرة التغطية الإلكترونية الكاملة للمنطقة.
3. خروج قافلة بـ150 عربة مدججة:
قال كيكل إن حميدتي غادر الخرطوم في قافلة ضخمة المنفذ الوحيد المتاح أن ذاك جسر جبل أولياء. من غير المنطقي عسكريًا أن تتحرك هذه القافلة بهذا الحجم تحت القصف النيراني والرصد الاستخباري للجيش دون أن يتم استهدافها، ما لم يكن هناك تواطؤ أو غطاء غير معلن، وهو احتمال مستبعد بالنظر لأهمية الهدف.. وتاثيره علي مجريات المعركة.
4. غياب أي رد جوي أو استطلاع:
لم يشر كيكل إلى تدخل سلاح الجو أو وحدات الرصد خلال هذا التحرك ، ما يفتح تساؤلات حول جدوى الطيران الاستطلاعي الذي كان ناشطًا حينها، كما يطرح فرضية الإغفال المتعمد لهذه الزاوية.. وهذا غير وارد بالنظر إلى فعالية التواجد الميداني و الاستطلاعي .
5. خلفية الراوي ودوافعه:
أبوعاقلة كيكل منشق عن تشكيل عسكري مثير للجدل، ويتحدث من موقع سياسي مضاد لمليشيا الدعم السريع. هذا يجعله طرفًا غير محايد، وقد يكون مدفوعًا بدوافع شخصية أو حسابات داخلية، مما يوجب الحذر في التعامل مع إفاداته.
6. الهاتف الإماراتي المشفر:
أشار كيكل إلى استخدام “هاتف إماراتي مشفر” بين حميدتي وقيادات الدعم. لا توجد معلومات استخبارية منشورة أو تقارير موثوقة تؤيد ذلك، مما يجعل هذا التفصيل أقرب إلى الاستنتاج السياسي أو عنصر الإثارة الدعائية.
7. تناقض في صورة حميدتي:
الرواية تصوّر حميدتي كقائد عسكري يتابع الإمداد والتموين بدقة، وفي الوقت ذاته كشخص عاطفي متأثر بالانتهاكات. هذا التناقض يلمّح إلى محاولة تلميع صورته أو خلق تعاطف معه، وهو طرح غير مقنع عسكريًا أو نفسيًا بالنظر الجرائم المرتكبة في حق المدنيين.
8. غياب أدلة على القيادة الميدانية:
لم ترد أدلة أو شهادات موثقة خلال الفترة التي يتحدث عنها كيكل على أن حميدتي كان يقود المعركة ميدانيًا من داخل الخرطوم، رغم ما قيل عن تواصله اليومي. في ظل الحصار والاستخبارات النشطة، من غير المرجح أن يتمكن قائد بهذا الوزن من إدارة المعركة في منطقة مكشوفة.
9. رواية “الهروب اللحظي”:
ذكر كيكل أن حميدتي غادر الخرطوم بالتزامن مع عبور الجيش لجسر سوبا. هذا الزعم يفتقر إلى تفاصيل لوجستية دقيقة توضح كيفية تنفيذ الإخلاء وسط تطويق نيراني واستخباري شديد.
10. الأسلوب السردي لا التوثيقي:
تميل الرواية إلى الإثارة والتشويق أكثر من التوثيق والانضباط العسكري. هذا الأسلوب يضعف من قيمتها الاستخبارية، ويقربها من الخطاب السياسي أو التعبوي.
ملاحظة اخيرة بحسب وجه الحقيقة : إذا كان اللواء كيكل يعلم بمكان حميدتي في “الخرطوم 2″، لماذا لم يُبلغ قيادة الجيش لتطويق المنطقة أو قصفها؟ هذا التساؤل وحده يكشف عن ثغرة منطقية كبرى، ويعزز فرضية أن بعض عناصر الرواية لا تُروى بغرض الحقيقة العسكرية، بل لخدمة سرديات سياسية أو دعائية غير دقيقية.
دمتم بخير وعافية.
الأثنين 12 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com