السودان يُحرز تحولًا نوعيًا بالاستحواذ على صواريخ “جافلين” الأميركية – دلالات وتداعيات .. بقلم المهندس / خالد مصطفى الصديق الفزازى

*تحليل صحفي-عسكري :*
للمرة الثالثة ، تُعلن القوات المسلحة السودانية عن ضبط مخازن تحتوي على كميات كبيرة من صواريخ “FGM-148 Javelin” الأميركية الصنع ، في منطقة الصالحة بأم درمان ، بعد فرار عناصر مليشيا الدعم السريع ، ما يشير إلى تحوّل ميداني استراتيجي لصالح الجيش السوداني في الصراع القائم منذ أكثر من عام .
يُعد صاروخ “جافلين” من أقوى الأسلحة الفردية المضادة للدروع في الترسانة الغربية ، ويشكّل استحواذ الجيش السوداني عليه نقطة تحوّل مفصلية في ميزان القوة التكتيكي والميداني ، خاصةً في بيئة القتال الحضري وشبه النظامي ، الذي تتقنه مليشيا الدعم السريع وتراهن عليه .
*أهمية الجافلين في السياق السوداني*
صواريخ “جافلين” هي صواريخ ذكية مضادة للدبابات من الجيل الثالث ، خفيفة الوزن ، محمولة على الكتف ، ذاتية التوجيه ، وتتمتع بقدرات هجومية متعددة الزوايا (Top Attack أو Direct Attack) .
وقد أثبتت فاعليتها بشكل كبير في الحرب الأوكرانية ضد الدبابات الروسية ، خاصة “تي-90” ، مما يضعها في مصاف الأسلحة المؤثرة على طبيعة سير المعارك .
في بيئة مثل أم درمان أو الخرطوم – ذات الكثافة العمرانية العالية والطرقات الضيقة – يشكل الجافلين سلاحاً مثالياً لتعطيل حركة الآليات والمدرعات ، بما فيها عربات “الفورد” ، “التيجر” ، و”الدوشكا” التي تعتمد عليها المليشيا .
*دلالات ضبط السلاح الأميركي في أيدي المليشيا*
*أولاً :* اختراق استخباراتي لوجستي خطير يشير إلى تدفقات سلاح أميركي الصنع لمليشيا الدعم السريع – إما عبر وسطاء في ليبيا ، أو قنوات تمويل استخباراتية غير مباشرة (إماراتية أو فرنسية أو حتى عبر أوكرانيا) .
*ثانيًا :* تفوق تقني مهدور ؛ فالمليشيا لم تُظهر استخداماً علنياً لهذا السلاح ، ما يدل على إما ضعف التدريب أو توجيه السلاح لأهداف خاصة (حماية قياداتهم أو كنزها للاستخدام ضد ارتكازات نوعية للجيش) .
*ثالثاً :* نجاح استخباراتي للقوات المسلحة السودانية في الوصول لهذه المخازن الحساسة ، وربما عبر اختراق تقني أو بشري داخل شبكات الإمداد .
*كيف يغيّر “الجافلين” من قواعد الاشتباك؟*
1. تغيير تكتيكات الكمائن : يمكن للقوات السودانية الآن استخدام الجافلين في كمائن متقدمة ضد تحركات المليشيا داخل المدن ، مما يحرمهم من حرية الحركة .
2. إسقاط المروحيات منخفضة التحليق : في حال توفرت ذخائر كاملة ، فإن المدى الذي يصل إلى 2.5 كم يتيح للجيش إمكانية تحييد طائرات استطلاع أو دعم سريع للمليشيا .
3. قوة ردع نفسية وواقعية : إعلان الجيش عن الاستحواذ على الجافلين يرفع من الروح المعنوية لقواته ، ويزرع الشك والخوف داخل صفوف المليشيا ، التي باتت تعلم أن مدرعاتها لم تعد آمنة .
*سعره لا يهم الآن ، بل تأثيره*
صاروخ الجافلين ، الذي يُقدّر ثمنه بنحو 178 ألف دولار للوحدة (نظام إطلاق + صاروخ) ، لم يعد مجرد سلاح ، بل رمز لامتلاك تكنولوجيا قتالية متطورة في أيدي الجيش السوداني ، وسط صراع تتداخل فيه القوى الدولية ، ويستخدم فيه الخصم موارد دول خليجية غنية .
*التوصيات الاستراتيجية*
1. الاستفادة من وحدات الإطلاق في الاستطلاع والمراقبة الليليّة عبر الأشعة تحت الحمراء .
2. إعادة تدريب وحدات مختارة من الجيش على التكتيكات الأميركية لاستخدام الجافلين بكفاءة .
3. التحقيق في مصدر دخول هذه الأسلحة ، وتتبع الشبكات التي زوّدت المليشيا بها ، وتوثيق ذلك دوليًا .
4. إرسال رسالة قوية للرأي العام المحلي والدولي : أن الجيش السوداني لا يحارب فقط بالروح ، بل أيضًا بالتكنولوجيا الحديثة .
*خاتمة :* الاستحواذ على صواريخ “جافلين” لا يُعد فقط نصراً تكتيكياً ، بل هو نصر سياسي واستخباراتي وإعلامي ، يبرهن على احترافية القوات المسلحة السودانية ، وعلى انكشاف شبكات السلاح التي دعمت المليشيا طيلة عام مضى .
إنها رسالة بأن المعركة في السودان لم تعد مجرد قتال شوارع ، بل صراع نفوذ وأجهزة ومخابرات .. والجيش بات يتقن هذه اللعبة .