تحليل استراتيجي حول العقوبات الأميركية المفروضة على السودان بزعم استخدام الأسلحة الكيماوية .. إعداد: المهندس / خالد مصطفى الصديق الفزازي -باحث مختص بالعلاقات الدولية والإقليمية

تزامنًا مع تصاعد التحولات العسكرية والسياسية في الساحة السودانية ، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية فرض عقوبات على السودان بدعوى استخدامه للأسلحة الكيماوية ، في خطوة اعتبرها مراقبون حلقة جديدة في مشروع تقويض الدولة السودانية وإضعاف جيشها الوطني لصالح قوى خارجة عن الشرعية تديرها غرف استخباراتية إقليمية ودولية .

إن هذا الاتهام – رغم خطورته – لم يسبقه إعلان رسمي من لجان تحقيق مستقلة ، ولا يستند إلى قرائن منشورة أو معلومات ميدانية متاحة للرأي العام ، ما يجعله محل تساؤل ليس فقط من الناحية القانونية ، بل من حيث الدوافع السياسية والسياق الإقليمي والدولي .

أولًا : البعد السياسي للعقوبات

العقوبات الأميركية تستهدف بشكل غير مباشر شرعية الدولة السودانية ، وتُقرأ في سياق مشروع طويل الأمد لتفكيك السودان عبر خلق توازنات جديدة تُقصي المؤسسة العسكرية الوطنية ، وتُعيد إنتاج سلطة تخضع بالكامل للهيمنة الخارجية .
إذ تأتي هذه العقوبات في وقت بدأت فيه الكفة تميل لصالح القوات المسلحة السودانية على الأرض ، مع تراجع مليشيا الدعم السريع ، وتملص عدد من حلفائها الإقليميين ، وعلى رأسهم دولة الإمارات ، من الاستمرار في دعمها بعد أن أصبحت ورقة محروقة دوليًا .

ثانيًا : تأثير العقوبات على الداخل السوداني

هذه العقوبات ، وإن بدت رمزية في ظاهرها ، إلا أن تداعياتها ستكون عميقة داخليًا ، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الأمني .
فهي تمنح غطاءً دوليًا لتحركات المليشيات ، وتبرر أمام المجتمع الدولي ضغوطًا متزايدة على الخرطوم ، كما قد تعيق مسارات الدعم الإنساني والتنمية ، وتزيد من عزلة السودان عن النظام المالي العالمي .

فضلًا عن ذلك ، فإن استخدامها كأداة سياسية في لحظة فارقة من الصراع قد يُضعف من تماسك الجبهة الداخلية ، ما لم تُواجه بخطاب وطني موحد يعري دوافع هذه الخطوة ، ويؤطرها ضمن سياقها الجيوسياسي .

ثالثًا : تجاهل متعمد للداعم الأكبر : الإمارات

ما يثير الاستغراب ، بل ويفضح ازدواجية المعايير ، هو أن الإدارة الأميركية لم تفرض أي عقوبات على دولة الإمارات العربية المتحدة ، رغم أن الأخيرة تُعد “حمالة الحطب” في هذا الصراع ، إذ دعمت مليشيا الدعم السريع بالسلاح والمال والمرتزقة والطائرات المسيّرة ، وساهمت بشكل مباشر في تغذية الحرب ، لا سيما عبر جلب مرتزقة من كولومبيا وتشاد
والنيجر وتسهيل تهريب السلاح من ليبيا .

تجاهل الدور التخريبي للإمارات ، رغم التقارير الأممية والإعلامية المتواترة ، يكشف أن العقوبات الأميركية لا تهدف لحماية المدنيين أو القانون الدولي ، بل تهدف لإعادة هندسة الداخل السوداني بما يخدم مصالح التحالف الإسرائيلي-الإماراتي-الغربي الذي يسعى لإضعاف الجيش السوداني ، ومنعه من استعادة السيطرة على كامل التراب الوطني .

رابعًا : السيناريوهات المستقبلية المحتملة

1. مزيد من الضغوط الدولية على الحكومة السودانية ، تشمل محاولات لنزع الشرعية عنها في المحافل الدولية ، ومحاصرة قادتها ماليًا ودبلوماسيًا .

2. محاولات تدويل الصراع ، وربما السعي نحو فرض وصاية أممية أو إرسال قوات تدخل دولية تحت ذريعة “حماية المدنيين” .

3. دفع السودان إلى محور جديد أكثر وضوحًا في مواجهة الغرب ، بتعزيز تحالفه مع روسيا ، الصين ، إيران ، الجزائر ، وتركيا ، كحلفاء جيوسياسيين لموازنة الكفة .

4. تحرك دبلوماسي وإعلامي وحقوقي مناهض للقرار الأميركي ، يقوده نشطاء ودبلوماسيون وخبراء سودانيون في الخارج، لتوضيح أبعاد هذه الخطوة وكشف انتقائيتها .

5. سيناريو التصعيد العسكري الميداني ، إذ قد تستخدم المليشيا الدعم الأميركي الضمني لتكثيف عملياتها أو تسويق نفسها مجددًا كقوة تفاوضية ، مما يتطلب من الجيش السوداني إحراز حسم ميداني سريع ومدروس .

خامسًا : التوصيات

الدعوة إلى لجنة تحقيق دولية ومحايدة للتحقق من المزاعم الأميركية .

إصدار رد قانوني وسياسي مفصل يوضح بطلان المزاعم ، وتوجيهه إلى مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية .

فضح الازدواجية في المعايير ، بتسليط الضوء على جرائم الدعم السريع والدور الإماراتي التخريبي .

توحيد الجبهة الإعلامية والدبلوماسية الداخلية والخارجية حول مشروع الدفاع عن الدولة السودانية .

تسريع الحسم العسكري ضد المليشيا لتفويت الفرصة على أي ترتيبات خارجية تحاول فرض واقع سياسي مشوه على السودان .

في الختام ، فإن العقوبات الأميركية لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها محاولة لحماية الوكيل المحلي لحلف دولي اختار الحرب ضد السودان الدولة .
غير أن الوعي الشعبي ، والانتصارات الميدانية المتلاحقة ، والصحوة الإقليمية في دعم وحدة السودان ، هي أدوات الردع الأنجع في وجه كل من يحاول مصادرة إرادة هذا الشعب العظيم .

-بقلم✍🏽المهندس / خالد مصطفى الصديق الفزازي
-باحث مختص بالعلاقات الدولية والإقليمية

مقالات ذات صلة