كامل إدريس.. هل نحن أمام “نفق حمدوك” جديد؟ … -بقلم✍🏽: المهندس / خالد مصطفى الصديق الفزازي

منذ المؤسف أن نقول إننا نعيد ذات الأخطاء السياسية التي سبق أن دفعنا ثمنها غاليًا ، حين تُفرض على الشعب السوداني شخصيات بمسميات براقة ، وتُسوّق كأنها طوق نجاة ، بينما هي في الواقع امتداد لمشروع اختراق خارجي ناعم ، تتصدره أدوات دولية وواجهات محلية تعمل على تطويع الإرادة السودانية لخدمة أجندات ليست من صميم المصلحة الوطنية .
في الأيام القليلة الماضية ، تردد اسم الدكتور كامل إدريس كمرشح لرئاسة الحكومة الانتقالية ، أو كرأس للحل السياسي القادم .
وقد لا يبدو في ظاهره أمرًا مثيرًا للريبة ، خاصة أن الرجل معروف بسيرته الأكاديمية وخبرته الدولية في المؤسسات الاقتصادية والقانونية ، لكنه عند التمحيص والتدقيق ، يظهر كمجرد واجهة لما هو أخطر : إعادة إنتاج “نفق حمدوك” ولكن بمسميات جديدة وأدوات أكثر ذكاءً .
*أولى الإشارات المقلقة : التحركات الأوروبية*
من اللحظة التي طُرح فيها اسم كامل إدريس ، لم يحتج الأمر إلى وقت طويل حتى بدأ يظهر في عواصم أوروبية ، ويتردد على لقاءات محسوبة ، في ظل صمت مريب عن طبيعة هذه الزيارات .
هذا السلوك ليس بريئًا ، بل يُشير إلى تنسيق مسبق مع دوائر القرار الغربية ، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة .
حتى لو لم يكن التواصل قد تم قبل ذلك ، فإن مجرد استقباله وتسهيل تحركاته بهذا الشكل السريع يعني أن هناك ترتيبًا دوليًا يتم خلف الكواليس .
*ثاني الإشارات : الترحيب الدولي المفرط*
المثير للدهشة أن المنظمات الدولية أبدت ترحيبًا سريعًا ومبالغًا فيه بفكرة تعيين كامل إدريس .
وهذا الترحيب لا يمكن أن يُفهم إلا من زاويتين :
1. أن تلك الجهات كانت على علم مسبق باختياره ، وربما شاركت فيه .
2. أن هذه الجهات لا تزال تحتفظ بخيوط تواصل قوية ومستمرة مع مراكز اتخاذ القرار داخل السودان ، حتى في ظل الحرب الدائرة والمعارك المحتدمة .
هذا يقودنا إلى استنتاج مباشر : البرهان لم يقطع تواصله مع المنظومة الغربية رغم القتال ، بل ربما كان هذا التواصل إحدى أدوات ضبط الإيقاع في المرحلة المقبلة .
والأخطر من ذلك أن هذه الجهات يبدو أنها تمكنت من اختراق المؤسسة العسكرية نفسها ، وأصبحت مطلعة على أدق تفاصيل صناعة القرار السيادي .
هنا تظهر أسماء مثل الفريق الغالي واللواء الصادق ، وهما شخصيتان محسوبتان على ما يُعرف بالتيار الوسيط ، لكن تقاطعاتهما مع تيارات “قحت” (قوى الحرية والتغيير) لا يمكن إغفالها .
فالمواقف الضبابية وعدم الوضوح في معسكر هؤلاء قد تعني أن هناك قوى داخل المؤسسة السيادية تعمل على تهيئة المسرح لاستقبال مشروع خارجي بغطاء محلي .
*الاقتصاد .. البوابة الخلفية للهيمنة*
كامل إدريس ليس سياسيًا تقليديًا ، بل هو رجل اقتصاد وقانون دولي .
وهذا يعني أن مشروعه ، إن تم تمريره ، سيكون اقتصاديًا في الأساس .
وبما أن الاقتصاد السوداني في حالة انهيار ، فإن أول ما سيفعله هو فتح بوابة الاستدانة ، طلب الإعمار ، السعي للتعويضات ، وتهيئة بيئة الاستثمار الخارجي .
وهذه هي ذات الأجندة التي فُتحت عبر حكومة حمدوك ، لكنها فشلت في تحقيق أي سيادة اقتصادية حقيقية .
ومن هنا تبدأ اللعبة الأخطر : الشركات متعددة الجنسيات ، والمؤسسات المالية الدولية ، ومراكز النفوذ الاقتصادي العالمي ، ستدخل لتتحكم في مفاصل الدولة ، بحجة “دعم الانتقال الاقتصادي” ، لكنها في الواقع ستُحكم قبضتها على القرار السياسي ، وتعيد تشكيل المشهد السوداني وفق ما يخدم مصالحها الاستراتيجية .
بمجرد أن يتحقق له ذلك ، سيجد كامل إدريس نفسه مضطرًا لبناء حاضنة سياسية واقتصادية توازي سلطات الجيش ، مما يعني صراع سلطات جديد ، وتمهيد لانقسامات داخلية ، وربما إنتاج نسخة محسنة من تحالفات ما قبل انقلاب 25 أكتوبر .
على من نضحك؟
إذا كنا نظن أن الغرب تحركه إنسانية مفرطة أو حرص على الانتقال الديمقراطي ، فنحن لم نتعلم شيئًا من دروس الماضي .
المجتمع الدولي لا يهبط على السودان محمّلًا بالمنح والودائع ، بل بالمصالح والاشتراطات ، ولا يدعم شخصية إلا إن كانت قادرة على تنفيذ أجنداته أو تمرير مشاريعه بهدوء .
وبالتالي ، فإن كامل إدريس ، حتى وإن كان يحمل نوايا طيبة ، لن يكون أكثر من أداة مرحلية لخدمة مشروع أكبر وأخطر .
وإذا نجح في تمرير أدوات اقتصادية ذات تأثير دولي ، فإن اللعبة ستكون قد بدأت من جديد ، ولكن بأدوات أخف وأذكى .
الرسالة الأخيرة
يا أهل السودان ، لا تتركوا “المناتلة” وحدهم يقررون مصيركم ، ولا تسمحوا لأحد أن يُعيد تسويق الفشل بثوب جديد .
ما لم تُبْنَ العملية السياسية من الداخل ، بإرادة سودانية خالصة ، فإن كل من يأتي عبر بوابة الخارج ، سيحمل في طياته بذور الهيمنة والتفتيت .
اللهم احفظ السودان من الوصاية ومن أبناء السودان الذين ارتضوا أن يكونوا أدوات في يد الآخر .
-خبير الإستراتيجية واقتصاد المعرفة*
-31 مايو 2025م