المعركة ضد الجيش .. معركة ضد الوطن

تأملات..

جمال عنقرة

 

لا أظن أنه يوجد إنسان في السودان – مهما كان موقفه السياسي – لم يسعده قرار رفع اسم قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعلي المستوي الشخصي أسعدني ذلك كثيرا، لا سيما وأن الأسباب التى أعتمدت لإتخاذ هذا القرار لم تكن كافية لإتخاذ مثل هذا القرار الذي تضرر بسببه الشعب أكثر من الحكومة، إلا أن حيثيات قرار رفع الإسم والتمهيد له، تستلزم وقفات للتأمل والتفكر، حتى لا نؤخذ علي حين غفلة، لا سيما وأن هناك خطوات كثيرة غير مستوعبة، وقد تكون غير موضوعية، أو غير منطقية، آخرها قانون التحول الديمقراطي والشفافية المالية الذي أتي ملازما لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولعله البديل لقانون سلام السودان الذي بموجبه فرضت هذه العقوبات علي السودان. وقبل الحديث عن قانون التحول الديمقراطي والشفافية المالية الذي أشرت إليه، لا بد من التوقف عند بعض الخطوات التي مهدت لذلك، فعلي المستوي القانوني لم يكن هناك ربط موضوعي بين رفع العقوبات عن السودان وبين التطبيع مع إسرائيل، ولكنها كانت خطوة مهمة لوضع السودان في طريق معين. وعلي عكس ما يظن البعض فإن الغرامة المالية التي فرضت علي الحكومة لتجاوز هذه العقبة، كانت غرامة محدودة ومقدور عليها، فهي كانت فقط ثلاثمائة مليون دولار وتزيد قليلا، وهذا رقم لا يذكر مقابل الخطوة المنتظرة، هذا فضلا عن أن المنحة التي قدمتها أمريكا للسودان عبر واحدة من مؤسساتها الدولية بعد أيام من سداد قيمة الغرامة، كانت تعادل ما دفع السودان، وتزيد عليه ثلاثين مليون أخري، ويقال أن هناك مسؤول عربي رفيع تكفل بسداد الغرامة عن السودان، ولكن كانت أهمية المسألة بالنسبة لهم في وضع السودان تحت ضغط الغرامات والقوانين، وربط المسألة بإسرائيل، ذلك أن إسرائيل صارت تمثل شرطي المرور في المنطقة. لم يكن الأمر صدفة أن يكون رئيس مجلس السيادة سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان هو بوابة الحوار لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، فالذين فعلوا ذلك فعلوه بعناية، فهم يعلمون حرص الرجل بحكم مسؤوليته الوطنية وموقعه القيادي الرفيع علي المستويين السيادي والعسكري، تفرض عليه العمل علي إنجاز المهمة التي يمكن أن تفتح أبواب العالم للسودان، ثم أنهم يريدون له ليكون المدخل للمؤسسة العسكرية التي يستهدفون وحدتها وقوتها وتماسكها حتى لا تكون عقبة أمام استكمال بقية المشروع في السودان، ولكنه فات عليهم أن العسكريين السودانيين عموما هم الأكثر حفظا لثوابت الوطن، وهم الذين يضحون من أجل حفظ تراب وأرض وعرض وانسان السودان، والسيد البرهان ليس استثناء من ذلك، ولهذا عمدوا إلى سياسة الضغط، لكسر شوكة العسكريين في أكثر من مكان، ويبدو أنهم كانوا قد اتخذوا قرارا بازاحة كل من يقف في هذا الطريق، ولذلك فإن كثيرين يعتقدون أن وفاة الإمام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة لم تكن وفاة طبيعية، مثلها مثل وفاة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهناك من يعتقد أن وفاة السيدة نجوي قدح الدم لها الرحمة والمغفرة أيضا ليست طبيعية. ومن الوسائل التي اتخذوها لكسر الشوكة العسكرية قانون التحول الديمقراطي والشفافية المالية، وكانوا قد مهدوا لذلك عبر تزوير وتحريف عبارة (مدنية) والتي جعلوها وصفا لثورة ديسمبر المجيدة، وصوروها علي أساس أنها ضد (العسكرية) علما بأن دور العسكريين في نجاح الثورة كان أكبر من دور كل المدنيين، ومن الأسباب التي يري البعض أنها عجلت بالعمل علي إزاحة السيد الصادق المهدي من المشهد السياسي فضلا عن مناهضته للتطبيع مع إسرائيل بهذه الطريقة المهينة، أنه ظل يدعو إلى التوازن بين المدنيين والعسكر، ويعتقد أن العسكريين شريك أصيل – ليس في الثورة وحدها – وإنما في البلد كلها، ولهذا السبب أيضا يتصدي البعض الآن لسلام جوبا، ويعمل علي شيطنة الحركات المسلحة، لأنها تنادي بذات التوازن بين المدنيين والعسكريين الذي كان ينادي به السيد الإمام له الرحمة والمغفرة. المحور الثاني الذي ظلوا يعملون فيه لإضعاف المؤسسة العسكرية، هو تشويه صورة المؤسسات الإقتصادية العسكرية، وللأسف الشديد فإن كثيرين من أبناء جلدتنا صاروا يتبنون هذا الخط – سواء كان ذلك عن جهل أو تآمر – فأمريكا نفسها تمتلك المؤسسة العسكرية فيها قوة إقتصادية هائلة، ثم أن دول كثيرة – بعضها دول في المنطقة – وعلي علاقة حميمة مع أمريكا، ومع إسرائيل أيضا تمتلك المؤسسات العسكرية فيها قوة إقتصادية عظيمة، مثل مصر وإثيوبيا، ولكنهم لا يريدون للسودان أن ينهض، وأن يمتلك مؤسسات اقتصادية قوية وفاعلة، وتعمل في مجالات إستراتيجية يمكن أن تحقق النهضة لهذا البلد الذي يمتلك كل مقومات النهضة، ولذلك فإن أول وفد إسرائيلي زار السودان بعد التطبيع، كانت وجهته الأولي منظومة الصناعات الدفاعية، وهم يعلمون أن المنظومة تعمل في مجالات حيوية، وأن المجالات العسكرية التي تعمل فيها كلها مشروعة، وهي تسد بها حاجة البلد والبلدان المجاورة، وهذا ما لا يسمحون به .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *