ابراهيم عثمان يكتب: عثمان ميرغني وكرامة العاجزين !

وجهة نظر … ابراهيم عثمان

قبل عدة أيام كتب الأستاذ عثمان ميرغني في أحد قروبات الواتساب تعليقاً على ملاحظات السفير البريطاني حول تأخر تشكيل الحكومة الجديدة : ( العلاقات الدولية قائمة على معادلات واضحة، الدولة التي تعتمد حتى في خبزها على الاحسان الدولي والصدقات يجب ان تحترم حق العالم في التدخل في شأنها الخاص لأنها بذلك تشهر عدم الأهلية للمسؤولية عن شعبها )

لكنه عاد في مقاله تحت عنوان “بصراحة شديدة” بتاريخ ١٣ ديسمبر الجاري لينفي أن تكون هناك تدخلات في شأننا الداخلي، وقد بدأه بالقول إن أمريكا بعد رفعها للسودان من قائمة الإرهاب ( تكمل جميلها ) حين تصدر هذا التشريع .. ف( الأمر لا يندرج تحت عنوان التدخل في الشؤون الداخلية مطلقاً) .

بالمقارنة بين التعليق والمقال نجد أنه :
– في الإثنين لم يحدد السقف الذي يجب أن تتوقف عنده أدوار الخارج في شأننا الداخلي، فهو تارةً يعتبرها “تدخلات في الشأن الخاص” يتسبب فيها عجز حكومتنا كما ظهر في التعليق على تصريحات السفير البريطاني، وتارةً أخرها يعتبرها مطلوبات ملزمة “ليس فيها تدخل” ويستحق الكونقرس الشكر عليها لأن الأوضاع في الداخل تبدو ( مثل غريق في البحر لا يرغب في رفع يده لانتشاله من الغرق، وينتظر أن يحمل حملا لينجو.) .. عدم وجود سقف للتدخلات الخارجية الحميدة المطلوبة ليس أمراً جديداً عند الأستاذ عثمان ميرغني فحتى فصل الجنوب كان عنده تدخلاً خارجياً حميداً الغرض منه إصلاح حالنا كما جاء في مقال بعنوان “من قولة تيت” نشره في أواخر عام ٢٠١١ : ( الإستراتيجيات الغربية والإسرائيلية وبالتحليل المنطقي للواقع السوداني ترى أنّ “شمال السودان” يعاني من حالة اندثار المثال بصورة كاملة … كان المطلوب وفق الإستراتيجية الدولية فك جنوب السودان من الدولة الأم.. ليس طلاقاً بائناً بينونة كبرى.. بل مجرد فك مؤقت يعود بعدها إلى الوطن الأم لكن بعد إكمال عمليات التغيير المطلوبة… فالاستراتيجية الدولية أصلاً رسمت الدور بعناية تماماً كما تفعل مركبات الفضاء التي تنفصل في الجو ثم تلتصق بمنتهى الدقة )
– يكتب عن القرار الأمريكي وكأنه قدر نافذ، وإنجاز متحقق يستحق الكونقرس الشكر عليه، ويتناسى أن احسان الظن بالتدخلات الأمريكية وخلوها من الأجندة المغرضة – حتى إن كانت في حجم فصل الجنوب – هو افراط في الثقة يقتح الباب أمام التنازل الكامل عن السيادة إن اعتمدت الحكومة الكونقرس جهازاً تشريعياً للسودان تلتزم حرفياً بتشريعاته كما يطلب الأستاذ عثمان، ومن الواضح أن الشق المدني في الحكومة سينفرد بتأييد الجزء الخاص بتبعية شركات الأجهزة النظامية وبكل ما يخدم موقفه في التنافس مع المكون العسكري .
– الأستاذ في مقاله يتجاهل حقيقة أن بعض ما جاء في القرار كان محل تجاذب داخلي وأن الحكومة كانت بعد سنة من العجز والفشل قد تذكزت فجأةً أن الاقتصاد السادس في إفريقيا تسيطر الأجهزة النظامية على ٨٢٪؜ منه ! وأثار ذلك ذوبعة وخلافات لم تنته ذيولها حتى الآن، ويتجاهل أن الحسم بيد أمريكية غليظة هو أسوأ أنواع الحسم .
– ويتجاهل حقيقة أن الصراع بين المكونين العسكري والمدني أدى إلى استقواء المكون المدني بالدول الغربية والأمم المتحدة وأن حمدوك كان قد طلب في خطابه السري الأول صلاحيات واسعة للبعثة الأممية ليخدم موقفه في التنافس،. وأن القرار الأخير ليس بعيداً عن هذا الاستقواء، فلن تكون مفاجأة إذا اكتشف الناس ذات يوم أنه كُتِب في المزرعة ومُرِّر إلى الكونقرس فصادف هواه فأجيز . وهذا الشك المشروع سيلقي بظلاله على العلاقة بين الشركاء، وسيفاقم الخلافات إذا تبنى المكون المدني القرار وأصر على تطبيقه بحذافيره كتشريع ملزم .
– تناسى أن هذا التشريع قد يشكل ذريعة لاستمرار العقوبات إذا لم يرضخ السودان له، وأنه لا يشكل “إكمالاً لجميل” الرفع من قائمة الإرهاب، بل يمثل خصماً من ذلك “الجميل !” بما فيه من اشتراطات جديدة أكثر توغلاً في الشأن السوداني وأكثر مساساً بالكرامة على عكس ما يقوله عن الدولة التي ( تلح الآن وتتلهف العودة إلى المجتمع الدولي دولة راشدة مكتملة الكرامة)، فأي كرامة لدولة عاجزة شحادة يشرع لها الآخرون ويأخذون كارت بلانش ( للتدخل في شأنها الخاص لأنها بذلك تشهر عدم الأهلية للمسؤولية عن شعبها ) ؟
– تناسى أن الحكومة التي يعترف بعجزها من الراجح أن تنقل فشلها إلى شركات الأجهزة النظامية إن آلت إليها، خاصةً بهذه الطريقة غير المتوافق عليها والماسة بكرامة هذه الأجهزة والتي تقوم أساساً على اتهامها، وتناسى أن الحكومة بارتباطاتها واستقوائها بالخارج، وبعجزها وإعطائها للآخرين الحق في التشريع لنا، وبالاتهام الذي يلاحقها بأنها تقف وراء هذا القرار ووراء كل تصريحات وقرارات التدخل، بعجزها وبرغبتها أيضاً، تشهر عدم أهليتها للسيطرة الكاملة على الأجهزة النظامية، تماماً كاشهارها ( عدم الأهلية للمسؤولية عن شعبها )

إبراهيم عثمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *