الشهادات الأمريكية .. ومؤامرة تحطيم السودان(2)

تأملات … جمال عنقرة
نواصل في هذا المقال بإذن الله تعالي ما انقطع من حديث الأمس تعليقا وتعقيبا علي المقال الذي كتبه مساعد سكرتير وزير الخزانة الأمريكي السيد بول كريق روبرت في حكومة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان عن المؤامرة الأمريكية لتحطيم السودان، والذي كانت قد بعثت لي به الدكتورة العظيمة عفاف أحمد يحي الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر السوداني، ونقلت في مقال الأمس ما ذكره السيد بول وأوضح فيه أن المعركة الأمريكية ضد السودان لم تكن بسبب توجهات النظام السابق الإسلامية فقط، وان كان تصنيفهم لنظام الإنقاذ بأنه نظام إسلامي مغامر زاد من حدة الحملة، ولكن السبب الرئيس للحملة الأمريكية لتحطيم السودان، هي طريقة تفكير السودانيين التي تعمد إلى التمدد والسيطرة، وأورد السيد روبرت أمثلة تبدأ منذ عهد الفراعنة السودانيين قبل آلاف السنين، ثم تجربة الإمام المهدي وخليفته عبد الله التعايشي، وحتى تجربة الإنقاذ التي أفضنا في أمثلتها، وذكرت قبلها تجربة السلطان علي دينار، وليست تجربة الثائر الزبير ود رحمة ود منصور (الزبير باشا) ببعيدة عن ذلك.
ومما يتحسبه الأمريكان من السودان، ويجعلهم يحاصرونه، ويحطمون كل آماله في التنمية والنهوض أنه يمتلك كل مقومات النهضة، وليس ذلك فحسب، ولكنه يشكل قبلة ثقافية وروحية لكثير من شعوب المنطقة، لا سيما بالنسبة لأهل غرب وشرق أفريقيا، ليس الذين استوطنوا وصاروا جزءا من أهل السودان الأصلاء، ولكنه قبلة ومثال حتى للذين لم يروه بعد، لا سيما المسلمين منهم، فالمسلم في تلك الديار غاية آماله أن يحج إلى بيت الله الحرام، والحج عندهم لا يكتمل بغير عبور أرض أو أجواء السودان، وكان الواحد فيهم بمجرد توجهه صوب السودان يطلق عليه لقب (حاج) وحتى عندما صاروا يذهبون إلى الحج مباشرة من بلادهم دون الحاجة إلى عبور أرض أو سماء السودان، فإنهم يختارون الطائرة السودانية لنقلهم إلى الحجاز، وهذا الموقع الروحي المؤثر للسودان زاد من حملة الاستهداف الأمريكي الساعية إلى تحطيم بلدنا.
وكان التقرير قد أشار إلى أن حرب الجنوب كانت واحدة من وسائل تحطيم المقدرات السودانية، وكان من أهدافها المباشرة وقف التنقيب عن البترول الذي كان قد بدأ في سبعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس نميري له الرحمة والمغفرة، ولما أوفت الحرب أهدافها قادوا عملية السلام التي كان هدفهم الأساسي منها فصل الجنوب عن الشمال، وكان أكثر البترول المستخرج في الجنوب الذي وصل في زمنه معدل النمو 11% وهذه نسبة عالية جدا، تنذر بالخطر بالنسبة لهم، لذلك قادوا عملية السلام من أجل الإنفصال، فلما وجدوا الدكتور جون قرنق رجلا وحدويا، سعوا إلى اخفائه من المشهد، فكان ذاك الرحيل المريب الذي خلف عددا مهولا من علامات الاستفهام.
لم يتركوا السودان يهنأ بالسلام، فقبل أن يكتمل وقف إطلاق النار، أشعلوا حربا أخري في دارفور، والغريب في الأمر أن الدعم والترويج الإعلامي والقانوني الإقليمي والدولي الذي وجدته حرب دارفور في ثلاثة أعوام فقط، لم تجده حرب الجنوب التى استمرت لنحو خمسين عاما كاملات، وكل الإجراءات العقابية التي فرضت علي السودان، كانت بسبب حرب درفور، وليس حرب الجنوب، ولم تكن العقوبات تستهدف الحكومة، وإنما كانت تهدف إلى تحطيم مقدرات السودان الإنتاجية والتنموية، وكان القصد منها انهاك البلد اقتصاديا، فبموجب تلك العقوبات حرم السودان من كل التقانات ومن مشروعات الطاقة، ومن الأجهزة والمعدات الطبية، وبسبب هذه العقوبات، تحطمت سكك حديد السودان، أرخص ناقل وطني شعبي، وتحطمت معها الخطوط البحرية، وكان نصيب الخطوط الجوية السودانية في التحطيم أكبر من غيرها، فلقد ذكرت بالإسم ضمن الشركات والمؤسسات الحكومية المحظور عليها استخدام أي تقانات أمريكية، بل امتد الحظر للشركات غير الأمريكية فمنعت من التعامل مع الخطوط الجوية السودانية، وكانت الأضرار التي لحقت بالمواطن جراء تلك العقوبات أضعاف ما أصاب الحكومة، وكله كان في سبيل تحطيم المقدرات السودانية.
نواصل بإذن الله تعالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *