علاء الدين محمد ابكر يكتب … انقلاب ابو القدح علي ظهره يضعه في وضع محرج

علاء الدين محمد ابكر يكتب✍🏾 انقلاب ابو القدح علي ظهره يضعه في وضع محرج

____________________

يطلق السودانين لفظ (ابو القدح) علي حيوان السحلفاة وهي من ذوات الدم البارد، فجسمها محمي بدرقة صلبة، و تعيش في الماء العذب للأنهار ومعظمها يعيش في البحار والمحيطات
ويضرب بها المثل في طول العمر والبطء في الحركة و تعيش بعض السلاحف أكثر من مائة عام ويرجع سبب تسمية السودانيين للسلحفاة ( بابي القدح ) في اشارة الي ذلك الغطاء الذي يحتل مساحة كبيرة من جسم السلحفاة والذي يشبه اناء كبير يصنع من الفخار ويعرف عند السودانيين (بالقدح)
يقدم عليه الطعام الي الضيوف وهي اشارة الي الكرم والجود فالسوداني عند المناسبات لايقبل الا ان يطعم ضيوفه بافضل انواع الطعام حتي ولو كانت بينه وبينهم حالة عداء والتاريخ يحكي لنا واقعة لم تحدث الا في السودان وتحديد في القرن السابع عشر حيث سير سلطان الفونج جيش جرار نحو مملكة تقلي التي تقع اليوم في منطقة جنوب كردفان وذلك بسبب خلاف وقع بينهم وتقابل الجيشين وكانت المعارك حامية الوطيس واستمرات المواجهات بينهم اشهر طويلة فكان القتال يندلع عند صباح كل يوم وفي المساء ينسحب كل قائد بجيشه ليتجدد القتال في اليوم التالي ولكن فجاة اعلن قائد جيش الفونج عن انسحاب قواته من المنطقة والسبب الرئيسي وراء ذلك الانسحاب العسكري المفاجي يرجع الي كرم خصومهم جيش (مملكة تقلي) حيث اكتشف قائد جيش الفونج ان الطعام الذي كان يقدم له و لجيشه عند كل مساء كان مرسل لهم من مطابخ قصر ملك مملكة تقلي وكانت حجة ملك تقلي بانه يقاتلهم بالنهار ويرسل لهم الطعام في الليل باعتبارهم ضيوف عليه حتي ولو كانوا غزاة فهم الان داخل حدوده بالتالي يقع عليه واجب اكرامهم وعندما عرف سلطان الفونج في سنار بذلك الكرم اصر علي مصاهرة ملك تقلي فزوجه بنته وبسبب اقداح الطعام التي كانت ترسل من ملك تقلي الي جيش الفونج سائد السلام بينهم وحدث رباط قبلي ملكي بين مملكة الفونج ومملكة تقلي
(والقدح) وجد نصيبه من المدح فنجد الشاعرة الشعبية زينب بت ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺸﻮﺑﻠﻲ ﺃﻟﻔﺖ قصيدة ﻓﻲ ﺟﺪﻫﺎ ﺑﺎﺑﻜﺮ ﺿﺤﻮﻱ تمدح شخصيتة التي عرفت بالكرم عندما قالت
( يا بنيه جري القدح للاسد المانفضح) وهنا نجد ان عدم اطعام الضيف في (القدح) الكبير تعد فضيحة وعار كبير فيجب علي رب الاسرة ان يشبع الضيف وجاء ضمن حكم الشيخ العبيد ود بدر قول ماثور ( الضيف أكلو لمن يقول بس وطلع ليهو المندس وونسو لمًن ينعس ) وهي توصية باهمية اطعام الضيف بافضل ماعندك من طعام نعود الي السلحفاة او (ابو القدح) كما يطلق عليها في السودان فان كبر حجم غطاءها يجعلها لا تسير بالسرعة. المطلوبة
ممايعيقها في التحرك في البرية ولكن ذلك الغطاء يمثل لها خط الدفاع الاول لها ضد هجمات الاعداء حيث يكفي السحلفاة عند تعرضها للخطر بان تدخل راسها واطرافها الي داخل ذلك الغطاء(القدح) ولكن كما يقال ان( لكل شي ثغرة فقط تكمن المشكلة في كيفية معرفة تلك الثغرة) او كما يقال في المثل الإغريقي، (كعب أخيل) ويعود أصل مصطلح كعب أخيل إلى الميثولوجيا الإغريقية، حيث أنه عندما كان أخيل طفلا، تنبئ له بأنه سوف يموت في معركة، ومن أجل منع موته قامت أمه ثيتس بتغطيسه في نهر ستيكس الذي يعرف عنه بأنه يمنح قوة عدم القهر. لكن بما أن ثيتس كانت تحمل أخيل من كعب قدمه أثناء غسله في النهر، فلم يصل الماء السحري إلى كعبه. وهكذا كبر أخيل ليصبح أحد الرجال الأقوياء الذين صمدوا في الكثير من المعارك، إلا أنه في أحد الأيام أصاب سهم مسموم كعبه متسببا في مقتله بعد فترة قصيرة. وكما ما حدث لاخيل في القصة السابقة فالسلحفاة تستطيع ان تصيب السلحفاة الاخري في مقتل عند حدوث عراك بينهم بالرغم من ذلك الدرع الحصين الذي يغطي كليهما ولدينا مثل شعبي سوداني يقول ( ابو القدح يعرف كيف يعض اخيه) بمعني ان السلحفاة تدرك مكامن الضعف لدي خصمها خاصة بني جلدتها واكبر مشكلة قد تقابل السحلفاة او (ابو القدح) هي عندما يتعثر وينقلب راس علي عقب فالغطاء الكبير الذي علي ظهره يمنعه من تصحيح وضعه حتي يستطيع السير من جديد علي اطرافه و عندما يكون في وضع مقلوب يكون حينها صيد سهل للخصوم والاعداء واغرب شي ان السلحفاة (ابو القدح) تتمتع برشاقة كبيرة وهي داخل المياه وهنا نجدها تخالف المثل الشعبي السوداني. الذي يقول ( الفي البر عوام) بمعني ان الشخص البعيد عن الحدث لايعرف ظروف مايحدث الا عندما يتعرض هو ذاته لنفس الموقف من خلال تجربة سابقة في حياته حينها يكون قد اكتسب خبرة وللسلحفاة كذلك خبرة كبيرة في البحار ولكنها تتعامل بحكمة عندما تكون في البر فنجدها تسير بكل هدوء وعدم استعجال رغم مايقال عنها من كسل وخمول فهي تعرف حدود امكانياتها فلا تتعجل في المسير حتي لا تنقلب ويصعب عليها استعادة توازنها
والانسان كذلك يجب عليه ان يعرف قدر نفسه وحدود امكانيته ويحاول توظيفها لصالح ان يتقدم ولو بخطوة واحدة في حياته فرحلة المليون ميل تبدا بخطوة ولكن الاستعجال للنجاح والثراء و نيل المكانة المرموقة لن تنجح اذا كانت بالبسرعة والفوضي وحتي اذا نجحت فسرعان ما تزول بسبب عدم وجود قواعد راسخة تجعلها تستمر الي اطول فترة لذلك الافضل الاعتماد علي البناء القاعدي والتاهيل لاجل بناء شامخ يعيش علي مدي الايام والدهور
وبهذه المناسبة اختم لكم هذا المقال بقصة حقيقية وقعت في بلاد الاندلس التي تعرف اليوم باسبانيا حيث عاش هناك رجل فقير من المال ولكنه غني بالعزم والاقدام فكان يكسب قوت يومه من العمل علي ( حمار ) ينقل به بضائع وحوائج الناس مقابل دراهم معدودات كانت كافيه لاطعامه و امه وابن عمه الكسول وذات يوم كان صديقنا هذا متواجد في داخل (خان ) او كما يعرف اليوم بمركز لبيع الطعام والشراب مع رفاق له من اصحابمن نفس المهنة التي يعمل فيها فقال لهم مازح يا رفاق ماذا تطلبون مني لو صار امر حكم الاندلس لي في المستقبل وهنا ضحك القوم وسخر منه البعض وقالوا له بالله عليك انظر الي حالك فانت صاحب (حمار) ينقل البضائع مقابل دراهم معدودات اين انت من حكام الاندلس دع عنك تلك الاوهام يا رجل وهناك رجل اخر بالغ اكثر في السخرية منه قالا له لو اصبحت انت حاكم للاندلس اطلب منك ان تجلدني مائة سوط و ان يكون ذلك في ميدان عام ولكن كان هناك شخص عاقل جالس معهم ولم يشارك القوم في تلك السخرية فقال لصديقنا صاحب (الحمار) لو مكنك الله من حكم الاندلس اطلب منك ان تمنحي مائة الف دينار وحصان ودار وانتهي ذلك السمر وذهب كل واحد منهم الي سبيله الا صديقنا صاحب(الحمار) فقد جلس مع نفسه واخذ يراجع ماقاله لهولاء الناس و سخريتهم من احلامه وطموحه وقال في نفسه والله لو جلست هنا فلن احقق شي سوف اهاجر فان ارض الله واسعة
وعند الصباح ذهب الي السوق و باع (حماره) وقرر بعدها السفر الي مدينة قرطبة والتي كانت عاصمة الاندلس في ذلك الوقت وبعد جهد وجد هناك عمل في نسخ المخطوطات والتي تعادل اليوم عمل المطابع فبدأ حياته بفتح دكان بجوار قصر الخليفة ومسجد قرطبة يكتب فيه الرسائل والعرائض لأصحاب المصالح، فلفت نظر من في القصر بأسلوب كتابته وبجزالة عباراته وقد كان يستغل كل فرصه فراغ في الذهاب الي امكان حلقات العلم في جوامع ومساجد مدينة قرطبةحتي ينهل من شيوخها فدرس الأدب والحديث وذات يوم وهو جالس ينسخ المخطوطات اتي مبعوث من قصر الخليفة يبحث عن خطاط يحسن التعبير في الكتابة حتي يبعث بتهنئة الي زوجة امير المؤمنين بمناسبة انجابها. لولي عهد الخليفة وبالفعل تصادف ان قابل مبعوث قصر الخليفة مع صاحبنا صاحب (الحمار) والذي صار بعد ذلك خطاط وبالفعل كتب لمبعوث قصر الخليفة رقعة تحمل اجمل عبارات التهانئ وعندما وصلت تلك الرقعة الي زوجة الخليفة اعجبت بها اعجاب شديد بحسن تعبيره وطلبت بان يحضر صاحبنا الي القصر و بتوصية منها للخليفة التحق صاحبنا بخدمة الخليفة الحكم المستنصر بالله واحسن العمل في القصر ليرشحه الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي ليكون وكيلاً لعبد الرحمن أول أولاد الخليفة، وهو ما عينه عليه الخليفة بموافقة من أم عبد الرحمن صبح البشكنجية ثم ولاّه دار السكة ـ، ثم ولي خطة المواريث فقاضيًا على أشبيلية وجعله الخليفة الحكم على الشرطة الوسطى فأصبح وكيلاً لهشام ولي العهد وتمر الايام ويكبر ولي العهد ويتم اختيار صاحبنا ليكون مشرف عليه في تعليمه للكتابة وحفظ القران والتدريب علي السلاح.حتي يكون فارس ولكن صاحبنا لم يفعل ذلك فقد كان يكتفي بتعليم ولي العهد علوم القران والكتابه و يصرفه عن تعلم الفروسية وامور السياسة حيث كان يشغله باللهو واللعب وذلك. لهدف السيطرة عليه منذ الصغر حتي اذا كبر وصار خليفة يسهل عليه السيطرة علي البلاد عن. طريقه
وبالفعل نجح ملخطط له حتي صار صاحبنا بمثابة. الاب الروحي لولي العهد وعندما توفي الخليفة تم تعين ابنه الصغير في مكان ابيه ولكنه كان صغير علي ذلك المنصب فكان الحل والعقد بيد صاحبنا واصبح الحاكم الفعلي للبلاد بسبب صغر سن الخليفة والذي لايستطيع فعل شي بدون استشارة صاحبنا
وفي جلسة صفاء تذكر صاحبنا رفاقه السابقين الذين سخروا منه في الماضي فطلب من رجال العسس(الشرطة) الذهاب الي القرية التي كان يعيش فيها والعمل علي احضارهم وعند مثولهم بين يديه لم يتعرفوا عليه بحكم عامل الزمن وتغير ملامحه وبينما صاحبنا جالس علي العرش قال لهم انا صاحبكم المنصور بن أبي عامر وقد حان وقت الوفاء
بالعهد فاليوم سوف احقق لكل واحد منكم ماتمني فامر في الحال بجلد الرجل الذي قال له في الماضي اذا صار امر الاندلس لك ان تجلدني مائة جلدة بالسياط وقد كان له ماراد وامر كذلك بمنح الشخص الاخر والذي طلب منه في حالة ان صار امر الاندلس له بان يمنحه مائة الف دينار وحصان ودار وبالفعل منح ما ارد صاحبنا هذا هو المنصور بن أبي عامر الحجاب اقوي شخصية عرفتها اوربا في ذلك الوقت فمن صاحب (حمار) في قرية نائية صار بالتخطيط والفكر والدهاء اعظم شخصية في تاريخ الاندلس ولاتزال اسبانيا تفخر به وقد خلدته بتمثال ليكون شاهد علي عصامية رجل عرف كيف يقهر المستحيل

المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
Alaam9770@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *