ابراهيم عثمان يكتب : وجهة نظر

عن اعترافات المتهومين وأكذوبة المسافة الواحدة

( نحن نحترم الدين الإسلامي .. نحن نقف على مسافة واحدة من الأديان .. دين الله محفوظ .. الدين خط أحمر )

هذه تقريباً هي المقولات “التطمينية” الرئيسية من جانب القحاتة ومن مؤيديهم وشركائهم، الكن التأمل الأولي السريع في هذه العبارات يكشف عن إنها تتضمن الاعتراف بأن
الإسلام موعود بهجمة يمكن التنبؤ بها من هذه الشعارات التي يتجمل بها العلمانيون، حتى قبل أن يؤكدها التطبيق .

مقولتا احترام الإسلام والوقوف على مسافة واحدة من الأديان :

▪️ عندما تكون المرافعة الأساسية التي يتم تكرارها باستمرار هي احترام الإسلام، فذاك يعني التسليم الضمني بأن هناك تهمة تقوم على حيثيات صحيحة تتطلب هذا النوع من الدفاع السلبي، فمن يكون على قناعة بأن موقفه من دينه إيجابي لن تكون مرافعته الأساسية هي التأكيد على احترامه وعدم التعدي عليه.
▪️ المقولتان ذوات طابع تطميني، ولا تحملان للمسلمين وعداً بشئ أكثر من الوعد بألا يُمَس الإسلام، وهذا الوعد يتضمن اعترافاً بأن هناك من الخطوات العملية ما قد يرى فيه الكثيرون مساساً بالإسلام،. والتطمين أصلاً لا يأتي إلا من متهم يسلِّم بأن التهمة جدية ويجب الرد عليها لأنها تنهض على أرجل حقيقية من جملة موقفه من الإسلام .
▪️ إذا قسنا التطبيق العملي لهذا التطمين سنجد أنه ينطبق عليه ما ينطبق على الوعد بالحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان والإيمان بالديمقراطية، فكما يتم التحايل عليها ودوسها جهاراً ، وكما يرى الحاكمون في دوسها ما يثلج صدور جمهورهم في الداخل ليتحول الوعد إلى تبشير مستمر بمستويات متصاعدة من أعمال الدوس والتنكيل، كذلك جرى ذات الشئ فيما يلي الوعد باحترام الإسلام مع فارق وحيد يتمثل في أن التبشير بالخطوات العلمنة ودوس الإسلام يركز على الخارج والإشادات تأتي من هناك، وقد تتالت الإشادات حتى بلغت ذروتها بنيل حمدوك لقب أتاتورك السوداني من مجلة بلومبيرغ.
▪️ رغم احترام العلمانيين لأتاتوك ومكانته الكبيرة عندهم لن يجرؤ أحد منهم على الاحتفاء بلقب أتاتورك السوداني، وأيضاً لن يجرؤ على التبرؤ منه، وما ذلك إلا لعلمهم بأنه يصعب إقناع الرأي العام بأن أتاتورك هو المثال والقدوة في احترام الإسلام، ولعلمهم بالخسارة التي ستنتج عن التبرؤ الكامل من أتاتورك أو التبرؤ الجزئي بالقول مثلاً إن حمدوك يختلف عنه لأنه أقل مساساً بالإسلام، ففي هذا تشويه لصورة القدوة أتاتورك لا يريدون ولا يستطيعون أن يتورطوا فيه، ثم إنهم جميعاً ينتظرون من حمدوك خطوات علمنة أكثر، وأي مقارنة مع أتاتورك لصالح حمدوك تباعد بينه وبين أتاتورك وتستند على عدم قيامه بأشياء قام بها أتاتورك ستشوش على الآمال المعقودة على خطوات حمدوك القادمة ..
▪️ أكبر إشادات من الداخل بخطوات الحكومة فيما يلي الموقف من الإسلام أتى من الملحدين والمرتدين، وفي إشادات هؤلاء اعتراف بنوع المسافة التي قطعتها الحكومة، ويمكن القول بأن المسافة الواحدة بين الإسلام والإلحاد هي بالضرورة عمل عدائي ضد الإسلام .
▪️ مقولة المسافة الواحدة تتضمن اتهاماً للدولة، قبل مجئ قحت، بالانحياز إلى الإسلام، وتتضمن الوعد بإنهاء هذا الإنحياز، الأمر الذي لا يمكن ترجمته عملياً إلا بخطوات كبيرة ابتعاداً من الاسلام “المدلل”، وهذا الابتعاد سيشمل، في “أفضل” تطبيق له، معدلات تدليل أكبر للأديان الأخرى، وشئ من المحاصرة والتضييق والحرمان للدين المدلل سابقاً.
▪️ الإنسان مهما تسامى وتمسك بحقوق الآخرين فلن يبلغ به التسامي حد أن يجعل إثبات أن جماعته متهمة بالتغول على حقوق الآخرين هي فكرته المركزية التي يحاول إثباتها بكل الطرق فيبالغ ويضخم ويختلق إلا إذا كان لديه موقف عدائي ضد جماعته. ويمكن إختبار صدقية هذا “التسامي” عن طريق فحص تساميه في جملة مواقفه من الآخرين وإيمانه بالحرية والتعددية داخل جماعته ومع تياراتها المختلفة، فإن لم يتطابق معدل التسامي فلا تفسير للأول إلا بأنه مجرد حيلة وغطاء لموقف عدائي أصلي .

مقولتا دين الله محفوظ، والدين خطٌ أحمر، يقول بالأولى غير العلمانيين المؤيدين لحكومة قحت، وقد قالها د. عوض الله حسن سيد أحمد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين (دين الله محفوظ ومفروض ندي فرصة للناس البصلوا ديل والحصة وطن)، أما المقولة الثانية فقد كررها شركاء قحت العسكريين عدة مرات .
▪️ مقولة دين الله محفوظ تتضمن داخلها إقراراً بأن الحاكمين العلمانيين سيسعون إلى المساس بالدين، لكن علينا، رغم ذلك، تأييدهم ثقةً بأن الله تعالى سيحفظ دينه، وإن الإسلام سيعاند خططهم وسيبقى برغمها. وهذه من أضعف المقولات التي يبرر بها المسلم تأييده لحكومة علمانية .
▪️ عندما يكون التعليق من جانب الشركاء العسكريين هو أن الدين خط أحمر ففي هذا تسليم بأن الدين يتعرض لهجمة من عدو له وفيه وعدٌ بالتصدي له. ولو كان الحال غير ذلك لكانت هناك مقولات أخرى من نوع : نحن ندعم الحكومة في موقفها من الإسلام وبقية الأديان.
▪️ وعندما لا تُفعَّل مقولة الدين خط أحمر فلا تعرقل تعديلاً قانونياً، ولا تشوش على برنامج علماني متدرج يمضي بسلاسة ويغيب عن قائمة مسببات الخلاف الجدي بين الشركاء، وعندما لا تتسبب المقولة في أي رد فعل من المتهومين، فإنها لن تحمل أي معنى سوى إنها محاولة لفظية لمسك العصا من المنتصف، الغرض منها التخدير والنأي بالنفس عن المشروع المتوافق عليه .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *