بين عناد الشارع ومناورة العسكر.. يغرق السودان في دوامة العنف

وكالات اثيرنيوز

عاد السودان اليوم الخميس إلى مربع العنف مع أخذ الاحتجاجات منحى تصعيديا قرب القصر الجمهوري في الخرطوم ولجوء قوات الأمن لإطلاق الغازات المسيلة للدموع لتفريق جموع المحتجين، فيما قال المكتب الصحفي للشرطة السودانية في بيان رسمي نشره على صفحته على فيسبوك إن ضابطا برتبة عميد قُتل أثناء “حمايته مواكب” المتظاهرين، فيما ذكرت مصادر أنه قتل طعنا.

ولم تظهر في الأفق مؤشرات على نهاية قريبة للأزمة على ضوء تمسك الشارع السوداني بمطلب رحيل قائد الجيش والممثلين للحكم العسكري وإصرار الطرف الثاني على مواصلة قيادة البلاد حتى إجراء انتخابات حرة وديمقراطية وهي عناوين تعتبرها قوى مدنية معارضة مجرد مناورات للبقاء في السلطة.

ويسود اعتقاد لدى عدد من تلك القوى أن هناك دفع من إخوان السودان لاستنساخ نظام الحكم السابق الذي دعمه الإسلاميون منذ انقلاب العام 1989 إلى سقوط عمر البشير في 2019.

ويأتي التصعيد في الشارع السوداني والذي قابله تصعيد من قوات الأمن، بعد أيام فقط على إطلاق حوار تحت إشراف الأمم المتحدة دعمته القوى الدولية على أمل إنهاء حالة الجمود السياسي بين العسكر والقوى المدنية والدفع نحو عودة الهدوء للشارع السوداني.

ويغرق السودان في دوامة عنف منذ الانقلاب الذي نفّذه قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان على شركائه المدنيين في السلطة في 25 أكتوبر/تشرين الأول أدت إلى مقتل 63 متظاهرا.

وهتف المتظاهرون “برهان وسخان جابوه الكيزان” وهو تعبير مستخدم في السودان للإشارة إلى الإسلاميين.

ومنذ الانقلاب، ينزل السودانيون إلى الشوارع بانتظام للمطالبة بتنحي العسكريين عن السلطة. وفي مواجهة هذه الاحتجاجات لجأت قوات الأمن إلى القمع ما أسفر عن سقوط 63 قتيلا ومئات الجرحى حتى الآن، وفق لجنة الأطباء المركزية (نقابة مستقلة) داعمة للمتظاهرين.

ويرى أنصار الحكم المدني في السودان الذي ظل تحت الحكم العسكري بشكل شبه متصل منذ استقلاله قبل 66 عاما، أن الانقلاب هو وسيلة لعودة نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي كان مدعوما من الإسلاميين.

وقدم الوجه المدني للفترة الانتقالية رئيس الوزراء عبدالله حمدوك استقالته مطلع يناير/كانون الثاني. ولم يتمكن العسكريون من تشكيل حكومة مدنية منذ الانقلاب رغم تعهدهم بذلك فور إقالتهم حكومة حمدوك في 25 أكتوبر/تشرين الأول. وقد حاولوا الاستعانة به مجددا وعقدوا معه اتفاقا سياسيا استعاد بموجبه منصبه إلا أن العقبات التي واجهها دعته إلى الاستقالة مرة أخرى.

والشارع السوداني من جهته يرفض الحلول الوسط مصر على مطلبه وهو رحيل الفريق أول البرهان كما سبق أن أرغموا البشير على الرحيل في 2019.

ورغم صعوبة المهمة بسبب المواقف المتناقضة، تحاول الأمم المتحدة إعادة كل الفاعلين على الساحة السودانية إلى مائدة المفاوضات.

والاثنين، أعلن ممثل الأمم المتحدة في الخرطوم فولكر بيرثيز رسميا إطلاق مبادرة يقوم بمقتضاها بلقاءات ثنائية مع الأطراف المختلفة قبل أن ينتقل في مرحلة تالية إلى محادثات مباشرة أو غير مباشرة بينها.

وإذا كان بيرثيز أكد أنه “لا اعتراض” مطلقا من جانب العسكريين، فإن عددا من الفصائل المدنية رفضت فكرته.

وتجمع المهنيين السودانيين، الذي قام بدور رئيسي في الاحتجاجات التي أطاحت البشير، “رفض تماما” مثل هذه المحادثات في حين طلبت قوى الحرية والتغيير، الكتلة السياسية المدنية الرئيسية ضمانات كي لا يتحول هذا الحوار إلى وسيلة “لإضفاء الشرعية” على “نظام الانقلاب”.

وتعبر هذه المواقف عن توجهات المتظاهرين الذين ينزلون إلى الشوارع رافعين شعار “لا تفاوض ولا شراكة” مع الجيش.

ويؤكد البرهان أن ما قام به لم يكن انقلابا بل “تصحيحا لمسار الثورة” وأنه يريد أن يقود السودان، أحد أفقر بلدان العالم، إلى انتخابات حرة في العام 2023.

غير أن داعميه في الخارج يتقلصون واستئناف المساعدات الدولية التي تم تعليقها مع الانقلاب ليس واردا في الوقت الراهن.

وفي مصر، الجار الشمالي للسودان والحليف التقليدي للعسكريين في الخرطوم، بدا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي التزم الصمت حتى الآن، يدعم مبادرة الأمم المتحدة. وقال “الاستقرار لن يأتي إلا بالتوافق بين كل القوى الموجودة”، مضيفا “وكوننا لم نتحدث عن ما يحدث هناك، لا يعني أننا غير داعمين للحوار والتوافق بين كل القوى”.

ولكن يبدو من الصعب إقناع الشارع السوداني بالمبادرة الأممية. ويقول عوض صالح (62 عاما) “لا نقبل بهذه المبادرة مطلقا ولم يقل لنا أحد ما هي النقاط الواردة فيها ولذلك فهي مرفوضة بالنسبة لنا رفضا تاما”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *