عبدالمحمود النور….خطابات د. جبريل .. مناورة سياسية أم توجهات حقيقية

خطابات د. جبريل .. مناورة سياسية أم توجهات حقيقية

 

د. عبد المحمود النور

 

حتى الآن استطاع دكتور جبريل ابراهيم خطف الأضواء ، ولفت الإنتباه إلى الكاريزما الجيدة وروح القيادة اللامعة التي يتمتع بها ..

انا حقيقة لم استغرب ولم ارتاب – كما فعل البعض –  من التحركات الاجتماعية ، ومن مضامين مفردات الخطاب السياسي الذي قدمه دكتور جبريل في اكثر من موقف ومناسبة ولقاء ( حتى خطاباته العسكرية امام قواته والحوارات السابقة التي أجريت معه ) ، .. لقد قدم نموذج مطلوب ومتوازن في الخطاب السياسي الذي يتسم بالعقلانية والموضوعية والتسامي فوق نزعات النفس وجراحات الأمس ..

بتحليل سريع لمضمون خطاباته تجده  يختار كلماته بعناية ، مصوبا نحو الأهداف والغايات التي تناسب طبيعة المرحلة ، وتساعد على جمع كلمة أهل السودان ووحدتهم ، وتتسق مع منظومة القيم والأخلاق المجتمعية .. وهذا ما تفتقده الساحة السياسية حاليا في ظل الوضع المأزوم التي تعيشه البلاد .. هذا الوضع الذي أفرزته الحكومة التي جاءت بها ثورة ديسمبر فخيبت آمال الشباب قبل الشعب ..

خرج الشعب السوداني بعد الثورة بأحلام وتطلعات وشعارات عريضة ؛ باحثا عن من يحملها ويحيلها إلى واقع حقيقي ، وتعلقت همتهم برجال للأسف لم يكونوا على قدر المرحلة ، .. فزادت خيبات الشعب واحباطاته ، فبدلا من تضميدهم الجراح وتطبيق ( الحرية والسلام والعدالة وبناء الوطن ) ، اتجهت الحاضنة السياسية وحكومتها إلى تصفية الحسابات ، وانشغلت بالتمكين لنفسها وممارسة فساد جديد ، فزادت بذلك معاناة المواطن ، وتردت كافة الأوضاع بشكل غير مسبوق ..

وقد قع قيادات حكومة ( قحت ) في معضلة تسويق وترويج خطابات عاطفية غير مركوزة ، لدغدغة المشاعر وتخدير الشعب ، سرعان ما انكشف زيفها وبوارها لدى شعب يتعاطى السياسة بطبعه وتسهم ابسط الاشياء في تشكيل انطباعاته ووجدانه ..

ان خطورة الشعارات الكذوب أنها سرعان ما تفقد مصداقيتها لدى الشعب في الاختبارات العملية والمحكات الحقيقية ، وتفضح معادن الرجال ، ويمكن أن تقود البلاد إلى هلاك محقق ..

انطلاق د. جبريل من منطلقات وخلفيات إسلامية وسطية ، تتسق مع طبيعة أهل السودان ، قد تجعل له فرصا ورصيدا في ان يكون له مقبولية أكثر ، وقد اتسمت خطاباته باعتدال وتسامح واع يتسق مع غالبية ما يريده أهل السودان ويتصفون به قيم ..

ما تفضل به الرجل من كلمات يعطي احساس قوي تجاهه بالمصداقية والثبات على القائم على قاعدة صلبة من القيم والأخلاق المجتمعية التي تؤهله للعب دور ( القائد الملهم ) الذي يتطلع اليه الكثيرون في العبور الحقيقي بالبلاد ..

وجدت خطابات الرجل المعتدلة قبولا حسنا لدى الشارع العام ، ووجدت تشككا من بعضهم ، وهذا طبيعي في تقديري نتيجة حالة عدم الثقة والتوازن التي يعيشها المجتمع السوداني حاليا ، لكن اذا حافظ الرجل على هذا المنهج في خطابه ولم ( ينتكس ) ، ولم يمارس الانتهازية والمناورة السياسية التي تجعل خطابه وشعاراته بعيدة عن الواقع المتبوع بالعمل فسيكون له مستقبل سياسي واعد .. والعكس صحيح ..

مطلوب من الرجل المضي قدماً في لم الشمل الوطني ، ولعب دور القيادة الرشيدة المتواصلة مع الجماهير بكل مكوناتهم وانتماءاتهم وامتصاص المخاوف والشكوك ، وإزالة النعرات الضيقة التي تفت من عضد المجتمع ونسيجه الاجتماعي ..

ان الرجل بما أظهره من صفات معقولة ، قادر على التأسيس والبناء عليها لتكوين صورة ذهنية إيجابية تتجاوز خلفيات كونه قائد لحركة مسلحة إلى زعيم سياسي لحزب يمكن أن يكون ضمن القوى الوطنية التي يرجى منها في انهاض البلاد والإسهام في مسيرة البناء والتنمية والسلام الاجتماعي ..

لا نريد أن نرفع سقف التوقعات تجاه مقدرات الرجل ، ولا نريد أن نلمع شخصيته فوق ما يجب ، بقدر ما نريد أن نحفز قيم الخير والحق والصلاح فيه ؛ لينهض بمسؤولياته ولا يخيب ظنون من توسم فيه الخير من عامة الشعب لنفع البلاد والعباد ..

البلاد تحتاج في هذه المرحلة إلى العقلاء ، والى القائد الذي يجمع الناس من حوله ولا يفرقهم ، ويسوقهم الى تحقيق مشروع وطني عظيم ، وتطلعات كبرى لا تقبل المساومة ..

ربما يكون هناك آخرون مرشحون للعب هذا الدور الوطني في هذه المرحلة الانتقالية ، ولكن احسب أن الرجل يمثل وسطية بارزة ومطلوبة ومؤهلة بين كافة الاسماء المطروحة ..

المناورة السياسية واردة .. لكن اخلاق الرجل وشخصيته المتزنة تشي بغير ذلك ، والله اعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *