علاء الدين محمد ابكر يكتب .. للمرة الثانية البرهان كسب الرهان

*علاء الدين محمد ابكر يكتب ✍️للمرة الثانية البرهان كسب الرهان*

كانت إماني و أشواق معارضي الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الحاكم بالسودان
بان لا يجد استقبال يليق به أو يعتقل فورا وصوله لمدينة نيويورك التي تحتضن مقر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية بسبب جرائم يعتقد معارضي الجنرال البرهان انها وقعت قبل وبعد قرار الوثيقة الدستورية التي أفضت إلى شراكة جمعت بين تحالف قوي الحرية والتغير و العسكريين لتنتهي في الخامس والعشرين من اكتوبر 2021م بانقلاب عسكري مدعوم من جناح مدني وحركات مسلحة كانت في الماضي ترفع ضد المركز بسبب التتهميش ولم يشفع انضمامهم الي التحالف المدني السياسي والذي قاد الاحتجاجات ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي اطاح به الجيش في ابريل 2019

تباينات وجهات نظر الطرفين ( قحت و العسكريين ) وربما هناك أطراف أخري مثل لجان المقاومة التي أعلنت عن انها تمثل خط ثالث ولم يتمكن الفرقاء علي الاتفاق علي اكمال الفترة الانتقالية

فالوضع المعيشي في ظل انعدام حكومة قادرة على جمع كلمة السودانيين علي كلمة واحدة صار أقرب الى الانفجار

شارك الجنرال البرهان في مراسم تشييع جثمان صاحبة الجلالة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية بدون إن يتعرض إلى
التوقيف والاعتقال استناد علي ما جاء من تهم صادرة من معارضيه وهذا ما منح البرهان دافع للسفر الي الولايات المتحدة خاصة في ظل الصراع الدولي حول اوكرانيا ومخاوف امريكا من محاولات روسيا في استقطاب المزيد من الدول مما يعزز موقفها في حربها في اوكرانيا

ان السياسة لا تعترف إلا بالمصالح وبدون شك فان للحرب الدائرة الان بين روسيا والتي تبحث عن مجد قديم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي واوكرانيا التي هي عبارة عن دمية تحركها الولايات المتحدة، وحلفائها المغلوب علي امرهم في الاتحاد الأوروبي ورغم تاثرهم بالعقوبات الروسية بايقاف امدادهم بالغاز الطبيعي الا انهم لا يستطيعون رفض مسايرة أمريكا ولو كان ذلك يقودهم الي الجحيم ، فامريكا لا تعاني من مشاكل في الطاقة فهي
تمتلك مخزون كبير من النفط والغاز اضافة الي سيطرتها علي مناطق نفطية كبيرة حول العالم من بينها الخليج العربي الذي يضم اكبر احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط في العالم و منذ هزيمة الرئيس العراقي صدام حسين علي يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بهدف تحرير الكويت فان القواعد العسكرية الأمريكية لاتزال متواجدة في كافة دول الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب لضمان امدادها بالنفط ومنع اي اعمال ارهابية من تنظيم القاعدة تهدف الى الاضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة

ان الولايات المتحدة، اليوم تخوض مع روسيا معركة لكسر العظم وملنع اي ظهور قطب دولي غيرها بعد تمكنها في السابق من اسقاط الاتحاد السوفييتي بعد حرب باردة وسباق تسلح نووي بالمقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضابط المخابرات السابق في استخبارات (كي جي بي ) السوفيتية السابقة تمكن في فترة وجيزة من اعادة روسيا الي الواجهة الاقتصادية الدولية عبر بيع الغاز بسعر رخيص إلي دول أوروبا الكبري وقد كانت تلك الخطوة من الرئيس فلاديمير بوتين بقراءة رجل المخابرات حتي يستطيع في المستقبل ان يوقع حلفاء امريكا باوروبا في فخ الاعتماد علي الغاز الطبيعي الروسي لضمان تدمير اقتصادياتها وعندما لاحت الفرصة كشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
عن انياب حادة تمكن من غرزها بدون رحمة في خاصرة الاتحاد الأوروبي وعلي ضوء
ذلك نستطيع ربط ما يحدث في السودان من صراع سياسي وما يحدث علي الساحة الدولية وقد استطاع الجنرال البرهان من الاستفادة من هذه الأحداث في تسويق نفسه علي انه رقم مهم في اللعبة السياسية الدولية والتي يلعبها ألّا الكبار وعبد الفتاح البرهان عبد الرحمن المفتش السابق العام للقوات المسلحة السودانية وثالث أكبر قائد عسكري في الجيش في عهد الرئيس المخلوع البشير ولا يعرف عنه الكثير في الحياة العامة وكان قبلها قائد القوات البرية أتاح له ذلك الاشراف على القوات السودانية التي قاتلت في صفوف التحالف بقيادة السعودية في اليمن وهو على صلات وثيقة بكبار القادة العسكريين في الخليج بحكم مسؤوليته عن تنسيق الدور العسكري للسودان في تلك الحرب واستفاد الجنرال البرهان من تلك العلاقات في تفعيل علاقاته الخارجية في رسم سياسة تقود إلي البحث المصالح الاستراتيجية وبالفعل تمكن الجنرال البرهان من وضع لبنة أساسية في الايقاع بالولايات المتحدة الأمريكية عبرة مصيدة اسرائيل حيث قابل الجنرال البرهان رئيس وزراء اسرائيل السابق السيد بنيامين نتنياهو في أوغندا في العام 2020م وكان خطوة اربكت كثيراً حسابات الولايات المتحدة الأمريكية والتي تواصلت في أكتوبر من العام 2018م مع الجيش السوداني وكان ذلك بدعوة رسمية لرئيس الأركان المشتركة السودانية الأسبق الفريق أول ركن كمال عبد المعروف لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية وإجراء
لقاءات بمسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، بحضور سفير البلاد آنذاك
لدى واشنطن، الفريق أول مهندس محمد عطا المولى عباس الذي شغل في وقت سابق رئاسة جهاز المخابرات السودانية حيث تطرق الطرفين
للعلاقات بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك وقد ابتدر الجنرال عبدالمعروف لقاءاته بمساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، إميليا كاميلتون، بحضور مستشاريْ المبعوث الخاص للسودان وجنوب السودان، الجنرال كريستوفر لاينس، وأندرية برينت وقابل كذلك مدير استخبارات الدفاع الأمريكية، الجنرال أشلي، بحضور مدير إدارة القارة الأفريقية في إدارة الاستخبارات، إستيفن هول، إضافة إلى مدير مركز الشرق الأوسط بها حيث اتفق الطرفين على تبادل الملحقين العسكريين بعد انقطاع دام لأكثر من عقدين، وعقب الاطاحة بالبشير تقلد الجنرال كمال عبد المعرف منصب نائب الجنرال عوض وزير الدفاع الذي أعلن في يوم الحادي عشر من أبريل 2019م الإطاحة بالبشير وتشكيل مجلس عسكري انتقالي لإدارة البلاد ولكن بعد ساعات قليلة استقال الجنرالات من منصب الرئيس ابنعوف ونائبه كمال عبد المعروف وقد كانت تلك الاستقالات نتاج عدم قبول المعتصمين بساحة القيادة العامة بوجود الجنرالات (ابنعوف ونائبه كمال عبد المعروف ) علي رئاسة المجلس العسكري علي اعتبارهم هم الأقرب إلي الحركة الإسلامية وباستقالة ابن عوف وكمال بزغ نجم الجنرال البرهان الذي يعد أكثر تحرر و فطنة من الرئيس المعزول عمر البشير الذي كان محاط بأفراد لا يحسنون إن السياسة بات مصالح وان عهد العواطف لا مجال له في دنيا الدبلوماسية
وباختصار وباللهجة السودانية يمكن ان نطلق علي الجنرال البرهان عبارة ( الزول الشفت ) فقد عرف كيف يقرأ الاحداث الدولية ومن خلال فتح باب الحوار مع اسرائيل تمكن عبر اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية ان يشكل مراكز ضغط على صناع القرار الأمريكي خاصة وان فترة الإنتخابات الامريكية تمثل لهم فرصة ذهبية وبالتحديد انتخابات(الكونغرس) الذي يعتبر بالنسبة الي اللوبي اليهودي أكثر أهمية من الرئاسة الامريكية نفسها

بالتالي فان السيناريوهات المحتملة في الفترة القادم سوف تكون علي النحو التالي
1/سوف يلعب السفير الأمريكي الجديد لدي السودان ادوار اكبر من دور فولكر بيرتس ممثل خاص للأمين العام ورئيس لبعثة الأمم المتّحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس
وذلك بتقريب وجهات نظر اطراف الصراع السياسي في السودان لأجل تشكيل حكومة
(جاري الان البحث عن رئيس وزراءها)

2/ احتفاظ الجيش بمجلس اعلي للدفاع يكون بمثابة حامي للبلاد من اخطار فلول النظام البائد (الاسلاميين ) وذلك بقطع الطريق عليهم ومنعهم من القيام بانقلاب عسكري يهدف الي نسف الاتفاق القادم
مع تقديم ضمانات حقيقية بعدم ملاحقة العسكرين القضايا المثارة الجدل حولها

3/ تعمل الولايات المتحدة علي تقديم دعم اقتصادي مباشر ملموس للسودان لا يكون مستند على برامج البنك الدولي بحيث يكون اشبه بمشروع مارشال وهو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947 والذي أعلنه بنفسه في 5 يونيو من ذلك عام (1947) في خطاب إمام جامعة هارفارد وكانت الهيئة التي أقامتها حكومات غرب أوروبا للأشراف على إنفاق 12.9925 مليار دولار أميركي قد سميت «منظمة التعاون والاقتصادي الاوربي» وقد ساهمت هذه الأموال في إعادة إعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوربية فلقد ترتب على الحرب العالمية الثانية تدمير الاقتصاد الاوربي وانهياره وكساده إلى حدٍ كبير وعميق مما أدى إلى انتشار الفقر والبطالة بشكل واسع، مما خلق تربة خصبة لانتشار الشيوعية كما كان هذا واضحاً من الخطط السوفيتية انذاك، فكان لا بد من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أقوى اقتصاد انذاك والتي لم تتضرر كثيراً جراء الحرب إن تتصرف بسرعة وان تهتم بمحور الاقتصاد كأهم عامل مؤثر، فكان مشروع مارشال بادرة أولية لإنعاش اقتصاديات غرب أوروبا عقب تدميرها اثر حربها مع ألمانيا النازية وبفضل ذلك البرنامج نهضت اوروبا من جديد وبدون شك سوف يكون الهدف من تقديم امريكا لهذا الدعم المادي المكثف للسودان هو إسكات الأصوات المعارضة لها في داخل بالسودان خاصة تلك التي تنتقد سياساتها الاقتصادية التي
فرضتها سابقا علي حكومة السودان بانتهاج سياسات البنك الدولي وقد تأكد بعدها للولايات المتحدة الأمريكية فشل خطط ومشاريع
البنك الدولي في السودان وفي أعقاب موجة الاحتجاجات الشعبية ضد سياسة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك وزير ماليته السابق والحالي دكتور جبريل ابراهيم والذي وجد انتقاد حاد بسبب ما يقوم به من تطبيق جاد لسياسة البنك الدولي مما جعل الشارع السوداني يقارن الاوضاع المعيشية ما بين الفترة الحالية وفترة الرئيس المعزول عمر البشير والذي تمتع الشعب في عهده بقدر طيب من الاستقرار الاقتصادي مايحدث عقب وصول الحكومة الانتقالية الي هرم السلطة حيث شهد السودان ارتفاع جنوني في الاسعار قاد لاحقا الي انفلات امني بسبب الضائقة المعيشية الطاحنة كل تلك الاسباب سوف يدفع امريكا للتنازل عن الكثير من ايمانها السابق بالديمقراطية حتي تقطع الطريق علي روسيا التي كانت قاب قوسين او ادني من احتواء السودان عن طريق التحالف مع العسكريين السودانيين، وكانت القاعدة البحرية الروسية علي ساحل السودان علي البحر الأحمر تمثل نقطة انطلاق لتلك العلاقات المتوقعة بين الطرفين اضافة لضغط اللوبي اليهودي علي الإدارة الأمريكية لمنع التفريط في حليف قوي مثل الجنرال البرهان فالمدنيين السودانيين، غير متفقين على رؤية واضحة حول مستقبل التطبيع مع اسرائيل حيث رهنوا ذلك الي ما بعد تشكيل برلمان منتخب وهذا ما لا يمكن إن يحدث في الأفق القريب وحتي اذا حدث فلن يتوافق الأعضاء علي اتفاق حول مستقبل علاقة السودان بإسرائيل و في اعتقادي الشخصي ما تريده الأحزاب السياسية المعارضة للتطبيع مع اسرائيل هو مجرد برتوكول بينما القرار الأهم قد صدر
قبل سنتين وباجماع تحالف الحرية والتغير و بموافقة مجلس الوزراء في جلسة مشتركة مع المجلس السيادي بالغاء قانون مقاطعة اسرائيل الصادر من السودان في اواخر خمسينات القرن الماضي مما فتح باب جديد لالتعاون بين البلدين وان لم يظهر في العلن

أن المعركة القادمة لانصار نظام البشير
سوف تكون حول الدستور المقترح المقدم من لجنة المحاميين السودانيين وهو اشبه بالدستور العراقي الذي اجيز عقب الاطاحة بنظام صدام حسين في العام. 2003 فالدستور هذا يشير بكل صراحة. الي امكانية تطبيق عقوبة الإعدام شنقاً علي كل من شارك وخطط لانقلاب الثلاثين من يونيو من العام 1989م ولا يستثني من ذلك حتي من بلغ من العمر السبعين عاما علي عكس دستور الرئيس المعزول عمر البشير المعدل الذي حصن فيه نفسه بسد كافة الثغرات القانونية حتي يتمكن من الإفلات من العقاب في المستقبل ولكنه لم يكن يتوقع إن يسقط نظامه بهذه السرعة ومن داخل المؤسسة التي طالما كان يدعي انها خط دفاعه الأخير ، بالتالي
سوف يجد الدستور المقترح معارضة شديد من الإسلاميين في حال تمت الموافقة عليه فهم يعلمون أن عقوبة الإعدام شنقا هي المصير المحتوم لكافة أعضاء حكومة الاسلامين من الذين تمت إدانتهم عبر المحاكم ولا استثناء في ذلك مابين الحاكم والمحكوم خاصة وان هناك الكثير من القضايا العالقة والتهم الموجه ضد شخصيات إسلامية مثل حادثة إعدام ضباط 28 رمضان من العام 1990 ومرور بالعديد من الحوادث الغامضة وانتهاء بمسألة تنفيذ إحكام الإعدام علي قتلة. الشهيد أحمد الخير حيث تم تأجيل تنفيذ الحكم الذي صدر ضدهم منذ أكثر من سنتين اذا أنسب طريقة لمحاسبة نظام المؤتمر الوطني المحلول هو اعتماد مشروع الدستور المقترح علي غرار تجربة العراق الذي لم يتردد القادة السياسيين فيه باتخاذ قرار بتنفيذ عقوبة الإعدام شنقاً في الرئيس المطاح به صدام مما منح العراق هيبة وجعل أنصار حزب البعث لأيفكرون في الظهور علي مسرح الأحداث بالعراق

الجنرال البرهان استطاع بلغة الشارع السوداني (قد تم شغل بالاسلاميين ) وذلك بإيهام الكيزان علي سد فراغ (حكومة المستقيل السيد حمدوك) وقد نجح في ذلك الي درجة بعيدة

اذا يمكن أن نقول ان الجنرال البرهان استطاع ان يلعب بمهارة عالية بكافة الأوراق المحلية والدولية لصالح ترويج فكرة قبول تواجد المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي المقبل للسودان ليس لفترة انتقالية فحسب وان قد تصل الي سنوات قادمة قد تطول وحتي اذا تم إجراء انتخابات فان الوضع لن تغير كثير فالأحزاب السياسية والحركات المسلحة لن تعارض السيناريو الأمريكي القادم ما دام هناك من يضمن الإنفاق المالي عليها وبالنسبة للشارع العام سوف يعود إليه الهدوء وذلك بعد تحسن الوضع المعيشي فالمواطن السوداني لا يعرف طريق الثورات الا بعد يصل الي درجة عظيمة من الجوع والفقر والبطالة

اذا يمكن ان نكتب للمرة الثانية ان البرهان قد كسب الرهان

*المتاريس*
*علاء الدين محمد ابكر*
𝗮𝗹𝗮𝗮𝗺9770@𝗴𝗺𝗮𝗶𝗹.𝗰𝗼𝗺

مقالات ذات صلة