كلمة حزب التحرير/ ولاية السودان في المؤتمر الصحفي للإخوان المسلمين والمنظمات العاملة في الشأن الفلسطيني

كلمة حزب التحرير/ ولاية السودان في المؤتمر الصحفي
للإخوان المسلمين والمنظمات العاملة في الشأن الفلسطيني

إن قضية استرداد فلسطين إلى حضن الأمة الإسلامية، وتطهيرها من دنس يهود هي قضية المسلمين جميعاً، فهي ليست قضية أهل فلسطين لوحدهم كما يريدها كيان يهود المسخ، ومن أمامه حكام الغرب الكافر المستعمر، ومن خلفهم حكام دويلات الضرار في بلاد المسلمين.
لقد كان المسجد الأقصى هو أول قبلة صلى تجاهها المسلمون، وهي مسرى الحبيب المصطفى ﷺ، وهي قبل ذلك وبعده الأرض التي بارك الله حولها، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وكان بيت المقدس من أول ما فتح المسلمون، حيث استلم مفتاح المدينة المقدسة الخليفة الراشد الثاني، الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتب العهدة المعروفة بالعهدة العمرية، والتي من ضمن بنودها: “أن لا يساكن يهود الأرض المقدسة”.
وظل المسلمون طوال عهدهم حافظين للأقصى ومسجده حتى ضعفت الدولة العباسية فاحتل الصليبيون بيت المقدس أكثر من ثمانين سنة لم يتنازل خلالها المسلمون عن فلسطين والأقصى حتى قيض الله صلاح الدين الأيوبي فحرر القدس من الصليبيين، ووحد المسلمين وجيشهم، فكان له النصر في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب الخير عام 583هـ.
ثم حافظت الخلافة العثمانية على فلسطين حتى في أضعف حالاتها، حيث حاول يهود إغراء السلطان عبد الحميد الثاني بالمال مقابل السماح ليهود بالهجرة إليها، وقد رفض رحمه الله مطالب يهود التي قدمها اليهودي الصهيوني هيرتزل قائلاً: “انصحوا هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض، ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مُزّقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في جسدي أهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من جسد الأمة، إني لا أوافق على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة”.
وقد صدق، عليه رحمة الله، فقد أُخذت فلسطين بلا ثمن بعدما هدمت دولة الخلافة ومزقت بلاد المسلمين، واحتلها الكفار المستعمرون، ثم أعطوا هذه المزق ما يسمى بالاستقلال الذي صنعوا به دويلات وظيفية تخدم مصالحهم، وتنفذ مؤامراتهم على المسلمين عبر نواطير، صنعوهم على عين بصيرة، وسلموهم الحكم فقادوا الأمة في طريق الضلال، فحولوا قضية فلسطين من قضية إسلامية إلى قضية عربية مدعين النضال الكاذب ضد كيان يهود، بينما هم في الأصل حماة يهود من أن تصلهم بنادق المخلصين. وما زال هؤلاء الحكام يقزمون القضية حتى جعلوها قضية فلسطينية لا دخل للمسلمين والعرب فيها. ثم ساروا يهرولون للتطبيع العلني مع هذا الكيان المسخ بعد أن كانوا مطبعين في الخفاء.
وبينما تشتد هذه الأيام هجمة كيان يهود على أهل الأرض المباركة فلسطين قتلاً وتنكيلاً وحصاراً، وبينما تعيث قطعان مستوطنيه فساداً واعتداءً على الناس، وقد ازدادت اقتحاماتهم للأقصى كثافة، ووقاحة، وتهويداً، وبينما يجابه أهل فلسطين وأبناؤهم كيان يهود بكل صلابة وبطولة وجرأة وشجاعة، تجتمع الفصائل في الجزائر تحت رعاية النظام الجزائري للتوقيع على اتفاق مصالحة جديد تحت اسم إعلان الجزائر، الذي ما هو إلا استمرار في إدارة العبث والنهج السقيم الذي آل بقضية فلسطين إلى الضياع والتردي. ومن الخيانة أن نضع قضايانا في يد أعدائنا في ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي في الأصل هو من أوجد هذا الكيان المسخ، وهو الذي ما زال يمده بأسباب الحياة.
أيها المسلمون: إن جرائم كيان يهود لا تتوقف وحكام المسلمين متواطئون معه في جرائمه، وجعجعاتهم الإعلامية لن تحمي دماء إخواننا في فلسطين الذين يقتلون بدم بارد صباح مساء بآلة القمع اليهودية.
إن قضية فلسطين أساسها الإسلام، وتحريرها مسئولية الأمة الإسلامية وجيوشها، ولهذا نوجه نداءنا إلى أمة الخير في شتى بقاع الأرض، وإلى جيوشها، إلى أبنائنا في القوات المسلحة من الضباط والجنود، فلقد كان بيت المقدس عبر التاريخ هو القضية التي تلم شعث الأمة الإسلامية، فتستجمع قواها، وتتجاوز وهنها فتدحر عدوها، فعلى أرضها هُزم الصليبيون، ودُحر المغول. وإن الأمة الإسلامية قادرة اليوم على اقتلاع كيان يهود من جذوره، وما الوهن الذي أصابها اليوم إلا وهن طارئ سببه خيانة حكام دويلات الضرار الذي يحرصون على إظهارها بمظهر الضعف.
فيا جيوش المسلمين، باسم الأمة الإسلامية نستنصركم ونخاطبكم بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾، وإنكم لقادرون على أن تجعلوا كيان يهود أثراً من بعد عين، وتشردوا من خلفه من القوى الاستعمارية، وهذا يتطلب منكم أن تدكوا عروش الطغاة من الحكام الرويبضات المتخاذلين، وتعطوا النصرة للعاملين لإعادتها خلافة راشدة على منهاج النبوة، توحد بها بلاد المسلمين وجيوش المسلمين، لتقوم بدورها في تطهير الأرض المقدسة من دنس يهود وغيرهم، فإن نبينا ﷺ قد بشرنا بأننا سنهزم يهود، ولكننا لن نهزمهم بوصفنا عرباً، أو فلسطينيين، وإنما سنهزمهم بوصفنا مسلمين، وذلك لن يكون إلا إذا كنا موحدين في كيان واحد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، يقول الرسول ﷺ في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».
إبراهيم عثمان (أبو خليل)- الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
الأحد، 20 ربيع الأول 1444هـ
16/10/2022م

مقالات ذات صلة