حسن عبدالحميد يكتب …هل تُصلح حكومة حمدوك الثانية ما أفسدته الأولى

هل تُصلح حكومة حمدوك الثانية ما أفسدته الأول
حسن عبد الحميد

أعلن الدكتور عبد الله حمدوك تشكيل حكومته الجديدة الإثنين الثامن من فبراير 2021م؛ بعد ترقب طويل ومشاورات لأطراف السلطة الجديدة المتمثلة في قوى الحرية والتغيير، والجبهة الثورية، والمكون العسكري، في ظل ضائقة اقتصادية خانقة، ومشاكل وتحديات تكتنف الوطن والمواطن من جهات عدة، وقد اشتملت الحكومة الجديدة على خمس وعشرين وزيرا، مع إرجاء تسمية وزير التربية والتعليم لاحقا، والسؤال الذي يطرح نفسه ويجب أن يجيب عليه حمدوك وفريقه؛ هل تستطيع الحكومة الجديدة بتشكيلتها الحالية أن تعبر بالسودان من هذه المرحلة الحساسة؟ وهل تستطيع مواجهة التحديات الماثلة أمامها سواء أكانت من صنع الحكومة السابقة أو النظام السابق أو من غيرهما؟
والملاحظ أن حمدوك قد احتفظ من الحكومة السابقة بأكثر الوزراء إثارة للجدل وهم كل من وزير العدل، ووزير الشئون الدينية، بالإضافة إلى وزيرة التعليم العالي الأقل إثارة للجدل، لكنها لا تخلو من إخفاقات صاحبت أدائها في الفترة الماضية؛ بيد أن الكثيرين قد تنفسوا الصعداء إذ لم يجدوا في التشكيل الوزاري الجديد كل من وزراء الصناعة والتجارة، والخارجية، والإعلام، والشباب والرياضة السابقين، إذ اكتنف أداؤهم الكثير من الشد و الجذب والمناكفات، وانخفضت شعبيتهم إلى أقل حد مما لم يعد محتملا للكثيرين أن يروهم مرة أخرى في تشكيلة وزارية جديدة.
من أبرز المشاكل التي ستواجه الحكومة الجديدة موضوع التطبيع مع (إسرائيل) الذي تورطت فيه الحكومة السابقة دون تفويض بل دون مشاورة لمكونات الحكومة في الحرية والتغيير نفسها، وإجابة رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه التشكيل الوزراي حول التطبيع مع (إسرائيل) يثير من المخاوف أكثر مما يبعث على الاطمئنان، فقد ذكر حمدوك أن موضوع التطبيع مع (إسرائيل) متروك للمجلس التشريعي القادم، وهي إجابة تخلص فيها من حرج اللحظة، لكنها من ناحية مبدئية ليست صحيحة؛ إذ ان المجلس التشريعي القادم ـ وهو معيّن كله ـ لا يملك تفويضا للبتّ في مثل هذه القضية المصيرية، فلا أحد حتى الآن يملك تفويضا للبت في هذا الشأن، علاوة على أن الموضوع يتعلق بقضية مركزية للأمة، والأحزاب الكبيرة في السودان كلها دون استثناء رأيها واضح ومعلن من موضوع التطبيع مع (إسرائيل) وهو الرفض الكامل، فالقضية محسومة سياسيا بالآراء المعلنة الرافضة للتطبيع من غالبية القوى السياسية السودانية، والمسألة محسومة مبدئيا؛ إذ لا يُقدم عاقل على التطبيع مع كيان مغتصب إجرامي توسعي، مهما كانت الإغراءات التي تقدمها قوى الاستكبار العالمي، ولعل هذا يضع وزيرة الخارجية الجديدة الدكتورة مريم الصادق أمام مسئولياتها التاريخية، ولو من باب الوفاء لأبيها الراحل الإمام الصادق المهدي الذي ظل لآخر لحظة من حياته رافضا للتطبيع مع (إسرائيل).
الضائقة الاقتصادية أكبر التحديات التي تواجه حكومة حمدوك، ولا يبدو أن المنهج الذي يطبقه حمدوك سيسهم كثيرا في حل هذه الضائقة، فقد سار حمدوك حسب خلفيته الاقتصادية في اتباع روشتة صندوق النقد الدولي، فرفع الدعم عن السلع الرئيسية ويتجه الآن إلى تعويم الجنية السوداني الذي وصل إلى تدني مخيف أمام الدولار، وهذه السياسات أشعلت السوق، وجعلت الأسعار منفلتة دون أن تستطيع الحكومة كبح جماحها، ذلك أن المنهجية التي اتبعتها الحكومة ستؤدي قطعا إلى هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، والذي سيدفع الثمن هو المواطن البسيط الذي سحقته تكاليف المعيشة سحقا دون أن تبدو في الأفق بوادر انفراج سوى العبارات المتفائلة التي يتفوه بها رئيس الوزراء في المناسبات، وقد حدثنا حمدوك في مؤتمره الصحفي الأخير أنه يسير وفق خطة اقتصادية محددة، وتفاءل ببلوغها أهدافها، لكن كل ذلك يظل حديثا للاستهلاك السياسي ما لم يرَ المواطن العادي أثره على معيشته، ويستطيع توفير احتياجاته اليومية دون عناء.
إلا أن أبرز ما يواجه حمدوك هو تآكل مشروعيته نفسها، فقد انخفضت شعبية حمدوك إلى أدنى حد بعد فترة من التفاؤل والدعوة لترك الفرصة له ليصلح الاقتصاد باعتباره خبيرا اقتصاديا، إلا أن العام والنصف اللذان مرا على حكومته الأولى أثبتت للمواطن العادي أن لا ضوء يلوح في الأفق، ليمكنه لعق جراحه ولوك صبره للخروج من أزماته، ولعل المظاهرات الأخيرة،وانتشارها في العاصمة والولايات، تشير بوضوح تام إلى تآكل مشروعية حمدوك، وفيها رسالة واضحة إلى أن المواطن العادي لن يستطيع أن يصبر عليه كثيرا، ولعله قد آن الأوان ليواجه حمدوك مشاكله بعيدا عن شماعة النظام السابق، فقد أصبح واضحا للعيان أن حكومته السابقة أيضا لها نصيبها من الفشل وتتحمل الوزر الأكبر من معاناة المواطنين.
وأخيرا فإن الحكومة السابقة تورطت في خطأ كبير وشر مستطير بواسطة مدير المناهج السابق الدكتور القراي، الذي حاول أن يبث سمومه وينشر شروره من خلال تعديله لبعض المناهج الدراسية، إلا أن المعارضة الشرسة التي واجهها من قوى المجتمع الحية جعلته يكابر قليلا قبل أن يقدم على تقديم استقالته، وقد أصدر رئيس الوزراء قرارا بتجميد مناهج القراي؛ إلا أن التجميد لا يعني الإلغاء خاصة أن كثيرا من الولايات قد استلمت منهج القراي الفاسد، وتحاول قوى مشبوهة أن تمرر سياساتها عبر وزارة التربية والتعليم التي أعلن عن تأجيل تسمية وزيرها، وأيا كان اتجاه أو خبرات وزير التربية والتعليم القادم؛ يجب أن تعلم الحكومة الحالية أن مناهج القراي الفاسدة لن يتم تدريسها للشعب السوداني المسلم بفطرته في غالبيته العظمى والمحافظ بطبعه.
الحكومة السودانية الجديدة التي أعلن عن تشكيلها في الثامن من فبراير 2021م تواجه مشاكل وتحديات كثيرة أشرنا باختصار إلى أهمها، ويبقى على الحكومة الجديدة تغيير المنهج الذي تعاملت به الحكومة السابقة إن كانت تريد نجاحا وقبولا، وإلا فمن البديهيات أنك لا تستطيع حل المشاكل بنفس العقلية التي أوجدتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *