مساحة حرة… بروف عبدالرحمن كوري يكتب: *تعليقات وحواشي على نظرية الدولة العضوية*

*تعد الجامعات بنيات تحتية في جسد الدولة ، تعمل ك لبنات في صرحها ، لا يصرفها عن ذلك حبا او بغضا لحكومة او حزب حاكم و يجب ان تكون واضحة المفارقة لديها بين الوطن و الحكومة و الحزب و لاجل ذلك لابد لي ان اضع بعض الحواشي على مقالات بعض حملة الدرجات العليا الذين يتناسون هذه الفوارق*
*كتبت الدكتورة نعيمة تور الدبة مقالا تلبس فيه الحدود السودانية الإثيوبية نظرية الدولة العضوية ، و مع احترامي للدكتورة و حسها الوطني ، إلا انني أري ان الحدود الدولية في افريقيا قنابل موقوتة دفنها الاستعمار الاوربي في رمال مصلحته ، فهي لا تعبر عن حواجز اجتماعية أذ التداخل العرقي هو سمتها الاساسية كما لا تعبر عن حواجز طبيعية لانسياب الارض بين هذه الدول و كاني بالاستعمار قد حاول توزيع البلاد حسب حدود الطول و تجاهل خطوط العرض التي هي المسئولة الاولى عن الاحزمة الثقافية الخاصة بانظمة الحياة في الملبس و المسكن و العادات و التقاليد*
*تعرف نعيمة الحدود السياسية بأنها : الاراضى التى تمارس عليها الدوله سيادتها وتخضعها لسلطانها وتطبق فيها قوانينها ؛ ويكون لها حق الانتفاع بها وهى تشمل النطاق الارضى والبحري إذا وجد ، والمجال الجوى ، كما يعد الحد خطاً فاصلاً بين الوحدات السياسيه وبين النظم الإجتماعيه.*
*تعتبرالحدود أيضاً حاجز وعقبه أمام إنتقال السلع والأشخاص بطريقه عشوائيه ، ويؤدى الحد وظائف عسكريه كحمايه الدوله من الفوضى ، و وظائف إقتصاديه وإجتماعيه وسياسيه وقانونيه . وتثير الحدود الكثير من المشاكل بين الدول أكثر من أي عنصر آخر من عناصر العلاقات الدوليه ، و بالطبع هذا التعريف مع موضوعيته التجريدية لا ينطبق علي الحدود السياسية في افريقيا لا سيما انها لا تزال لم تسمو علي الفوارق العرقية و الدينية و الثقافية وهي جذور الازمات و الصراعات الداخلية وترجع تور الدبة النزاعات الحدودية بين السودان و اثيوبيا الى نظرية ريتزل التى تري أن الدوله ذات المطامع الأقليميه تعمل على زيادة مساحتها بزحزحة الحدود السياسيه بينها وبين الدول الآخرى المجاورة . وتستدعى تور الدبةفي هذا المجال نظرية ريتزل (الدولة العضوية) عالم الجيوبولتيك المشهور الذى إعتبر إن الدوله بمثابة كائن حى تنطبق عليها قوانين (الميلاد ، النمو ، الوفاة )، كما شبه ايضا حدود الدوله بغشاء رقيق يقلف كائناً حياً قابل للتمزق والزحزحة على حسب قوة الكائن الحى ، و يمضي الي القول ان الكائن الحى القوى هو الذى يدفع بحدوده فى أراضى الاقطار الضعيفة المجاورة ، وتظل الدولة تتوسع حتى تصل الى ما وراء حدودها الطبيعية اذا لم تجد مقاومة . تحاول الدولة أثناء توسعها أن تضع لها أهم مبدأ وهو التوسع الاقليمى فى دوله أخرى ، وتصبح قاعدة عامة مما يؤدى الى العداء المستحكم بين الدول لصراعها فى سبيل الحصول على مساحات إضافية . و تستدرك الباحثة نعيمة ضعف هذه النظرية لما وجدته إنتقادات واسعة ولعل أبرزها :*
*إنها تتعارض مع مبدأ التعايش السلمى الذي هو سمة العصر .* *وإنها بعيدة عن الموضوعية و الواقعية للاستقرار النسبي في كثير من دول افريقيا و اوربا و العالم علي اتساعه ما عدا ظاهرة الحربين العالمية التي تعزى للدولة الالمانية التي لم تعتدي دول المحور علي اراضيها رغم التمكن من هزيمتها ؛ كما تعاني النظرية المذكورة من الميل الى التجريد و عدم التجرد .*
*فالرؤية التي بسطها راتزل تنطوي على مبادى غاية في الخطوره على السلام العالمي لما تحدثه من تنافس حاد بين الدول ، وبالتالى الصدام فى سبيل الحصول على مساحات إضافية.*
*و بالعودة لتطبيقات تور الدبة لهذه النظرية علي العلاقات الحدودية بين السودان وأثيوبيا :*
*فإنها تعود بعلاقات الجوار الى ما قبل قرنين من الزمان ، وذلك فى عهد الدولة المهدية التى حكمت فى الفترة ما بين (1885-1898)م عندما هاجم الإحباش منطقة القلايات عام 1887م وقتلو والى الخليفة عبد الله التعايشى آنذاك وهو (محمد ود أرباب) ، وعودة الأحباش الهجوم مرة آخرى بعد سقوط الدولة المهدية فى عام 1899م ، تمكن الإنجليز من ترسيم الحدود الحالية . في هذه اختزلت تور الدبة التاريخ في قرن واحد و كان الاجدر ان تعود القهقرى للعهد الكوشي و المروي*
*و تمضي لتقول بعد إستقلال السودان عام 1956م تم إعتماد حدود عام 1902م بين المملكة المتحدة وإثوبيا لدى منظمة الأمم المتحدة ؛إلا أن لإثيوبيا أطماع جيوبوليتيكية كما ترى نظرية (الدولة العضوية) .* *ويرجع ذلك الى أن منطققة القضارف وهى الإقليم الحدودي مع الجارة إثيوبيا تمتاز بإرتفاع خصوبة أراضيها وكثرة المياه العذبة وإنتاجها للمحاصيل الإستراتيجية .*
*و في هذا الاطار اختزلت ايضا العلاقات المميزة بين الدولتين في حالة عدائية لا تحكي تاريخ التأخي بين الشعبين وتذكر ان إثيوبيا الدولة الجارة قد عاودت الكرة تلو المرة ، ففى فترة حرب الجنوب وفى عام 1995م إتخذت من جيوش الحركة ستار لها لتنأى عن نفسها من المواجهة المباشرة مع السودان ؛ وبدأت بالتوسع داخل الأراضى السودانية فأنشأت مايقارب ال 14 مستوطنة وعدد من القرى الكبيرة*
*إستطاع الجيش السوداني بعد ثورة ديسمبر المجيدة من إستعادة الأراضى السودانية المقتصبة والتى تقدر ب حوالى 250 كيلو متر مربع* *ما زالت إثيوبيا الجارة مواصلة فى تطبيق نظرية (الدولة العضوية) على الأراضى السودانية ففي الإسبوع الماضى هاجمت قوة إثيوبية ، دورية تابعة للجيش السوداني قتلت منهم 4 ضباط وجرحت 27 آخرين . أصدرت القوات العسكرية تعليمات فورية بحماية منطقة القضارف وكافة الأراضي التى تم إستعادتها وإزالة المستوطنات الإثيوبية وإقامة معسكرات على حدود 1902م ، تم تحرير المنطقة بالكامل وما زالت أثيوبيا الجارة تسعي لفرض نظرية (الدولة العضوية) على الحدود السودانية ….*
*و غني عن القول اني اشارك تور الدبة القول بان نظرية الدولة العضوية ألمانية المنشأ ظهرت فى معهد ميونخ للدراسات الإستراتيجية ؛ وكان الغرض منها تبرير ما تقوم به ألمانيا من توسعات في الأراضى المجاورة مما أدى الى قيام الحرب العالمية الثانية . و يجمع علماء الجغرافيا السياسية ان هذه الرؤية قد كلفت العالم كثير من الارواح ، فضلا علي انها لا تفسر النزاعات السودانية الاثيوبية*
*و اشاركها الرأي ان السودان دولة سلمية ستستمر تحترم علاقاتها مع دول الجوار وتتمسك بحقوقها القانونية و يجب ان تلجأ في ذلك الي الدبلماسية و التحكيم*
*خلاصة القول ان تحرك القوات المسلحة السودانية الاخير لوضع المشكلة موضع الحل الدوبلماسي لا غبار عليه ، لكن التمادي في دق طبول الحرب لا يأتي بخير*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *