أزمة السياسة السودانية : ليس ضعفًا بل ضياع للبوصلة .. بقلم: المهندس خالد مصطفى الصديق الفزازي

ظلّت الساحة السياسية السودانية لعقود رهينة لدوائر حزبية ونخب تقليدية لم تنجح في التوافق على مشروع وطني جامع ، وهي ليست بالضرورة ضعيفة من حيث التنظيم أو الحضور التاريخي ، لكنها تفتقر للرؤية الاستراتيجية الواضحة حول مستقبل البلاد .

فالأزمة ليست في ضعف الأحزاب بقدر ما هي أزمة اتجاه ، بوصلة مفقودة في تحديد ما تريده هذه القوى ، أو بالأحرى ما يجب أن تريده في ظل المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية .

الضياع المفاهيمي ومأزق الرؤية
من يتابع تصريحات قادة القوى السياسية السودانية يلحظ تضاربًا في الأهداف ، واختلافًا في الأولويات ، بل وتناقضًا في تقييم الواقع السياسي نفسه .
لا يوجد تصور موحد حول الدولة المدنية ، ولا حول طبيعة العلاقة بين المركز والهامش ، أو شكل الحكم الأمثل للسودان ، أو حتى تصور اقتصادي قابل للتطبيق في بيئة ما بعد الحرب .
معظم هذه الأحزاب لا تزال أسيرة شعارات ستينيات القرن الماضي ، أو تحاول استنساخ نماذج خارجية دون مراعاة للواقع السوداني المتعدد والمعقد .

دور الشباب وميلاد تيارات جديدة
في مقابل هذا الجمود ، نشهد صعودًا بطيئًا ولكنه واعد لتيارات شبابية وكيانات مدنية جديدة تسعى لتجاوز إرث النخب القديمة .
ورغم أن هذه القوى لا تزال تتلمس طريقها ، إلا أنها تعبر عن رفض عميق لحالة التكلس والضياع الحزبي .
فالشباب السوداني الذي خرج في ثورة ديسمبر لم يضحِّ من أجل أن يُعيد إنتاج الأزمة ، بل من أجل بناء دولة حديثة قادرة على الاستجابة لطموحات الأجيال الجديدة في الحرية والسلام والعدالة .

تأثير الحرب على الخارطة السياسية
الحرب الحالية التي تعصف بالسودان أعادت تشكيل كل شيء ، بما في ذلك بنية القوى السياسية .
انكشفت القوى الانتهازية ، وانهارت التحالفات الهشة ، وسقطت أوراق التوت عن العديد من القيادات التي راهنت على الخارج أكثر من رهانها على الداخل .
وفي المقابل ، برزت مواقف وطنية لبعض الشخصيات والتيارات التي دافعت عن سيادة الدولة ورفضت الارتهان للمحاور الخارجية .

نحو إعادة تعريف المشهد السياسي
الواقع يفرض علينا إعادة النظر في تعريفنا للفاعلين السياسيين .
لم تعد الأحزاب وحدها هي القوى المؤثرة ، بل هناك الجيوش ، الحركات المسلحة ، اللجان الثورية ، الجاليات بالخارج ، والنقابات المهنية والقطاعات الاقتصادية الناشئة ، خصوصًا في مجالات المعرفة والرقمنة والزراعة الذكية .
السودان الجديد لن يبنى فقط باللافتات الحزبية بل بتكامل الجهود الوطنية العابرة للأطر التقليدية .

*خاتمة*
لن تخرج البلاد من أزمتها السياسية بدون مراجعة جذرية لطبيعة العمل الحزبي ومفاهيم القيادة والتمثيل الشعبي .
المطلوب اليوم ليس مزيدًا من الشعارات أو المؤتمرات العقيمة ، بل مشروع وطني يتجاوز الأيدولوجيا ، يستند على اقتصاد المعرفة ، ويؤمن بمبدأ التداول السلمي للسلطة ، ويعتمد على الإرادة الشعبية كمرتكز أساسي لبناء الدولة .

ولعلّ أكبر درس يمكن استخلاصه الآن هو أن الوقت قد حان لإعادة تعريف السياسة نفسها في السودان ، ليس كأداة للوصول للسلطة ، بل كوسيلة لإنقاذ وطن وإنصاف شعب .

*-بقلم✍🏽: المهندس خالد مصطفى الصديق الفزازي*
*-باحث مختص في اقتصاد المعرفة*
*-15 مايو 2025م*

مقالات ذات صلة