ماذا يعني وصول مدير المخابرات الإثيوبي لبورتسودان؟ .. تحليل و قراءة / أحمد علي عبدالقادر

وصول مدير المخابرات الإثيوبي رضوان حسين إلى بورتسودان حاملاً رسالة خاصة إلى الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في توقيت حساس يتزامن مع تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء في السودان، يحمل في طياته العديد من الدلالات السياسية والأمنية والاستراتيجية على المستويين الثنائي والإقليمي، ويمكن قراءته ضمن السياقات التالية:
أولاً: البُعد الثنائي السوداني الإثيوبي
1. رسائل أمنية وسياسية مباشرة للقيادة الجديدة:
وجود مدير المخابرات تحديداً (وليس وزير خارجية مثلاً) يعني أن الرسالة ذات طابع أمني – استخباراتي، وقد تحمل تحذيرات أو تفاهمات مرتبطة بملفات تمس الأمن القومي للبلدين.
تعيين الدكتور كامل إدريس، الذي يُنظر إليه كوجه مدني صاحب خلفية دولية وقانونية وليس عسكرية، قد يكون دافعاً لإثيوبيا للتأكد من استمرارية المسار الحالي في العلاقات أو طرح أجندة جديدة.
2. القلق من تحولات السلطة في السودان:
أديس أبابا تراقب عن كثب التوازنات بين المكون العسكري والمدني في السودان، وتخشى أن تؤدي تغييرات مثل تعيين كامل إدريس إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية للسودان بشكل لا يخدم مصالحها، خاصة في ما يخص ملف سد النهضة وحدود الفشقة.
3. محاولة إثيوبيا اختراق جدار بورتسودان الدبلوماسي:
بورتسودان أصبحت مركز القرار السوداني منذ اندلاع الحرب، وتعمل فيها أجهزة سيادية حساسة. إرسال مسؤول أمني رفيع إليها هو محاولة لـ الولوج المباشر إلى دوائر صنع القرار السيادي، وتجاوز القنوات التقليدية أو الوسيطة.
ثانياً: في سياق الحرب في السودان
1. الرسالة قد تتضمن موقفاً إثيوبياً تجاه الحرب:
رغم أن أديس أبابا أعلنت الحياد في حرب السودان، إلا أن تقارير كثيرة تتحدث عن تورط غير مباشر أو غض طرف عن تحركات لمليشيا الدعم السريع في مناطق حدودية.
وجود رئيس المخابرات قد يكون لإيصال رسالة تفيد بأن إثيوبيا لا تريد مزيداً من التصعيد أو أن لديها معلومات استخباراتية تود مشاركتها حول تحركات مليشيا الدعم السريع أو أطراف خارجية.
2. خشية إثيوبيا من انهيار شامل في السودان:
أي انهيار في السودان ستكون له تداعيات مباشرة على إثيوبيا من حيث تدفق اللاجئين، وامتداد الفوضى إلى إقليم بني شنقول أو تيغراي، وربما عودة التوترات الحدودية.
ثالثاً: في سياق التنافس الإقليمي والدولي
1. إثيوبيا تحاول استباق النفوذ المصري والخليجي:
القاهرة تنسق بشكل وثيق مع القيادة السودانية، لا سيما الجيش، في قضايا مصيرية مثل سد النهضة. وتحاول أديس أبابا عبر هذه الزيارة أن تحجز مقعدها في ترتيبات ما بعد الحرب.
كما أن بروز الدور الخليجي (خصوصاً الإماراتي من خلال وسطاء والقطري الرسمي مع الدولة ) في الملف السوداني قد يدفع أديس أبابا لمحاولة تثبيت نفوذها الأمني والسياسي.
2. رسالة لواشنطن والغرب:
كامل إدريس يحظى بقبول دولي، وقد يُستخدم كشخصية واجهة مدنية لتجديد صورة الحكم السوداني. إثيوبيا تخشى أن يقود ذلك إلى إعادة السودان لحضن الغرب، بعد أن كانت العلاقات متوترة.
عبر هذه الزيارة، قد تسعى أديس أبابا إلى إعادة موضعة نفسها كشريك أمني في المنطقة، خاصة إذا كانت الرسالة تحتوي على معلومات استخباراتية حول الإرهاب أو التهريب أو الحرب.
رابعاً: الدلالة الرمزية للمكان والتوقيت
1. اختيار بورتسودان لا الخرطوم:
يدل على اعتراف إثيوبيا الكامل بـ سلطة البرهان كمرجعية سياسية وعسكرية، وأنها تتعامل معه بوصفه ممثلاً للدولة.
2. تزامنها مع تعيين رئيس وزراء:
الزيارة تحمل رسالة مزدوجة: دعم ضمني للقيادة السيادية الحالية (البرهان)، مع جس نبض حقيقي لتوجهات الحكومة الجديدة (كامل إدريس).
بالنتيجة يمكن القول إن زيارة مدير المخابرات الإثيوبي ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل حدث استراتيجي محمّل بالرسائل الخفية والعلنية، خاصة أن الإثيوبيين يدركون تماماً أن التغيرات في السودان ليست مجرد تغير أسماء، بل إعادة تشكيل لمعادلة الحكم والتحالفات والملفات الإقليمية الكبرى.
هذه الخطوة يجب أن تُقرأ بعين حذرة داخل المجلس السيادي السوداني، لأنها قد تشير إلى أن إثيوبيا تحاول أن تضع قدماً داخل مرحلة ما بعد الحرب، سواء عبر التنسيق أو التأثير أو حتى التفاوض على ملفات ساخنة قبل أن تُحسم داخلياً أو دولياً.