عثمان ميرغني .. حكاية الفيلسٌوف ..

عثمان ميرغني: حكاية الفيلسٌوف ..

قبل سنوات استمعت كافحاً لمحاضرة ألقاها أكاديمي مشهور مقيم خارج البلاد، أكثر ما لفت نظري فيها تعويله الكبير على اسناد المرجعيات التي تدعم ما يطرحه في المحاضرة.. وفي فقرة مهمة قال: ( أن جي ماكهاوند، فيلسوف أرجنتيني عاش في القرن السادس عشر، عانى كثير من شظف الحياة و قسوة الحرمان من دفء الأسرة نتيجة افتراق والده عن والدته، مما اضطره للبحث عن عمل منذ كان طفلاً صغيراً وفي ظروف صعبة حيث كان يقبل بكثير من الأعمال التي لا تناب جسمه ولا عقله الصغير، حتى استطاع بعد سنوات أن يستقل بنفسه و يرتب عملا حرا يدر عليه قليل من المال الذي يحفظ كرامته وليس بالضرورة صحته وعافيته، وتزوج بصعوبة من أسرة أكثر منه فقرا، فتقاسم مع زوجته ضراوة أعاصير الحياة..9 واستمر المفكر السوداني المعروف يسرد تفاصيل حياة هذا الفيلسوف الارجنتيني ونحن ننظر بشوق الوصول إلى خلاصة تجربة الفيلسوف التي سينطق بها بعد قليل محاضرنا المرموق..

وأخيراً قال المحاضر (الفيلسوف الأرجنتني جي ماكهاوند قال، أن الزهرة الجميلة تعجب الإنسان)..!!

بصراحة أحسست لحظتها بالغبن الشديد، فلو كان محاضرنا المرموق أسند هذا القول لي لما لمته، او لأي شخص آخر حتى ولو كانت فنانة شعبية ، بل من الأصل ما كان في حاجة للاسناد فالزهرة الجمية فعلا تعجب الإنسان..(وما طالبنو حليفة)..

قصة هذا المحاضر أتذكرها دائما كلما شاء القدر أن أكون مستمعا في محاضرة أو ندوة أو منتدى أو ورشة عمل أو مؤتمر (و بصراحة المنظمون عادة لا يفرقون بين اسماء هذه الفعاليات فغالبا يرتبط الاسم بحجم التمويل المتوفر وليس موضوع أو شكل الفعالية).

يفرط المحاضرون في الاسناد لمرجعيات غالبا أجنبية ويحرصون على ذكر اسم أجنبي لا يشترط أن يكون معروفا –أو حتى حقيقيا- ثم يسندون اليه أقوالا هي من المعلوم بالضرورة.

وأحيانا يشار إلى هذه المرجعيات في قضايا تبدو لا علاقة لها بالمدلول المحلي للقضية مثار المحاضرة أو الندوة أو المنتدى أو ورشة العمل ..

في تقديري – و أرجو أن أكون مخطئا- أن البعض يعتقد أن الاستعانة بأسماء ومرجعيات أجنبية يعزز المصداقية دون حاجة لبذل جهد للربط بين الموضوع المثار والمرجعية الأجنبي التي استند اليها..

وخطورة مثل هذا المنهج، اضعاف قدرات الاستنباط والبحث المحلي، صحيح لدينا عقول نيرة في مختلف المجالات لكن الكسل يغري بالافراط في الزج بمسميات أو مرجعيات أجنبية تمنح الاحساس بعلو المقام الأدبي أو الاكاديمي دون الاعتداد بالناتج الحقيقي من ذلك..

وأكثر من ذلك، مثل هذا التعويل على فخامة Prestige الألقاب العلمية والمرجعيات المستند عليها يمحق الخلاصات التي يمكن أن يحصل عليها المتلقي..

بصراحة مطلوب حساسية أكبر في الندوات والمحاضرات للمرجعيات التي تستند عليها.

مقالات ذات صلة