حديث المدينة .. عثمان ميرغني .. الصمت الذي يسبق العاصفة..

صمت مريب يحيط بالمشهد السوداني، بعد نشاط سرى في الأوساط السياسية خلال زيارات قائد الدعم السريع إلى بعض العواصم الأفريقية، ثم خبا الوهج و تدثر المسرح بظلام دامس لا تظهر فيه الا ومضات القصف والقذائف المتبادلة في شتى المواقع والمدن.

لكن هذا الصمت – بكل أسف- لا يعني ان القتال ينحسر أو يخبو، بل هو استعداد لجولة مقبلة، هجوم من جانب قوات الدعم السريع على مدن جديدة، دللت عليه مجاولة أمس الاتجاه نحو مدينة الفاو جنوب شرق مدني، وقد يقفز الى أضواء الاعلام هجوم عسكري مفاجيء في موقع بعيد عن التوقعات يحرز جذبا للانتباه ينسي الناس مدني وولاية الجزيرة والويلات التي تعانيها..

في المسار الآخر التفاوضي صمت مطبق، لا حديث سوى عن قمة مرتقبة لمنظمة الايقاد لم يتأكد استجابة كل الأعضاء لها.

وحتى لو انعقدت فهي قمة في مصفوفات قمم سابقة لم تنجح في التأثير على الأوضاع في الأرض، قمة دول الجوار ثم قمة الايقاد العادية، وبعدها قمة الايقاد الاستثنائية ولا جديد..

الصورة المقطعية للمشهد تظهر أن الدعم السريع لم يعد منتظرا رجاءات الوساطات، دولية أو اقليمية، وأنه عازم على فرض الأمر الواقع.. وهو تمكين حكومة شراكة مع منظومة “تقدم” تتولى ادارة البلاد بما أسماها قائد الدعم السريع في خطابه يوم 19 ديسمبر 2023 “حكومة انتقالية تأسيسية”.

الجيش السوداني يخوض المعارك ببسالة منقطعة النظير رغم افلات بعض المدن من يديه، لكنها الحرب كر وفر و تحسمها النتيجة النهائية التي لا مفر فيها من انتصار الجيش، فهو الشرعية التي تمثل سيادة الدولة وبدونه تنهار وتفقد تماسكها وربما تتحول إلى دويلات متصارعة متناحرة.

لكن الجيش للأسف لا يتمتع بغطاء سياسي يستحقه، والغطاء السياسي مثل سلاح الطيران لا يدعم فحسب بل يفرض قواعد اللعب على الآخر.

الغطاء السياسي تمثله حكومة مكتملة الأركان تنشط في شتى المجالات داخليا وخارجيا، وتوفر للجيش أفضل بيئة عمليات مسنودة بالدعم الشعبي داخليا و الدعم المتنوع خارجيا.

مدينة بورتسودان هي العاصمة البديلة حاليا، و بالضرورة في سياق المواجهة تنطوي نوايا الدعم السريع على مخطط للوصول اليها باعتبارها آخر ما يسمح للقيادة السياسية للبلاد، بالتحديد التي يرأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أن تمتلك الشرعية أمام العالم، و لا أتوقع أن يكون للدعم السريع الصبر الكافي لاحتلال المدن الواحدة تلو الأخرى لحين الوصول إلى بورتسودان، فقد يستعجل قطف الثمرة الأخيرة بالقفز إليها مباشرة أو عبر قفزة وسيطة من مدينة قريبة اليها.

في كل الأحوال، معالم المشهد أكثر من واضحة، ومطلوباته أيضا، فالسلام ما عاد مطلبا حقيقيا لمن يرى نفسه أقرب إلى النصر، ما لم يتحول وضعه العسكري إلى نقيض ذلك فيصبح السلام مخرج اضطرار لا اختيار.
و السبيل الوحيد لانقاذ الشعب من الوضع المؤلم الذي ظل يقاسيه طوال 9 أشهر، هو دعم الجيش باسناد سياسي قوي لا مجاملة فيه، اسناد بحكومة توافق وطني لا تسمح بثغرة مهما صغرت لاتهام بالموالة لأي طرف سياسي.. هذه الحكومة تتولى ادارة البلاد مدنيا واصلاح العلاقات الخارجية المبعثرة والمتعثرة حتى ترفع عن السودان أغلال العزلة الدولية الصامتة التي تخنقه.

الزمن –بكل أسف- ضيق للغاية والانتظار الكسول لن يكون في مصلحة أحد..
ما يجب أن يفعل اليوم.. لا يجب أن يتأخر إلى الغد.. فالأمر جد الجد..
و سيستبين النصح ضحى الغد..

مقالات ذات صلة