حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : سهرة رمضانية..

مساء أمس الأول، الثلاثاء، لبَيّنا دعوة من السيد مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور، سهرة رمضانية قاهرية امتدت إلى الساعات الأولى من الفجر. الحضور كبير من الصحفيين والسياسيين و شخصيات مجتمعية قيادية.. تحدث مناوي طويلا شارحا تفاصيل الموقف السياسي، ثم الدكتورة مريم الصادق المهدي و دار الكأس على كل الحاضرين إلا قليلا.
مناوي صريح في حديثه واجاباته على الأسئلة لدرجة أنني أحيانا أتردد في تمرير بعض ما يقوله إلى هيئة تحرير “التيار” الذين كانوا على تواصل معي خلال اللقاء لالتقاط ما قد يصلح للأخبار العاجلة، خشية أن يكون استخدم حقه في حجب النشر لبعض ما قاله.. لكن ذلك لم يحدث طوال ساعات اللقاء، ويبدو أن ذلك لطبيعة الحضور وكونهم يمثلون طيفا واسعا لا يعتد بتقاليد النشر.

الحقيقة حضرتُ للسيد مناوي كثيرا من مثل هذه اللقاءات، غالبها في السودان، وليس وحده، حضرت أيضا لكثير من الساسة لقاءات مفتوحة ومغلقة.. ورأيتهم في كثير من ورش العمل والمؤتمرات واللقاءات الجماهيرية المفتوحة أو المبثوثة عبر الوسائط الإعلامية يتحدثون مباشرة إلى الشعب السوداني أو حتى العالم الخارجي.. ويثور في نفسي دائما سؤال ملحاح، عبرت أمس عنه في مداخلتي خلال اللقاء.. ثم ماذا بعد هذا؟

و كلمة “هذا” لا أقصد بها لقاء أمس الأول، أو أي لقاء سابق آخر، بل مجمل النشاط السياسي ما ظهر منه وما بطن.. ولكي أضع السؤال في سياق أكثر تحديدا، ماهي معدلات “الفعل” في مقابل “القول” في مجمل النشاط السياسي؟
وأقصد بكلمة “الفعل” التأثير Effectiveness أي قياس العائد من العمل السياسي بمعايير واضحة و أدوات “قابلة للقياس”.

و لا أقصد بـ”التأثير” الصدى الإعلامي أو بعبارة أدق “الضجيج” الإعلامي، ففي الملعب السياسي كثيرون لديهم أدوات صناعة “الضجيج” بلا “تأثير”.

قياس “التأثير” لا يتحقق إلا إذا كان للفعل أهداف و معايير لقياس المسافات في الطريق الصاعد لتحقيق هذه الأهداف Milestones . وهنا أضع السؤال الحتمي.. ماذا يريد الساسة من مجمل العمل السياسي الذي يباشرونه بشتى الوسائل؟
أستطيع أن أجزم أن الغابية العظمى –أشخاصا أو مؤسسات- ليس لديهم أهداف مرسومة، فهم أشبه بقارب في عرض البحر بلا قبطان تدور به الأمواج حيث تدور.

مثلا.. سياسي يقيم في القاهرة، يلبي الدعوة عندما تأتي الوفود الخارجية، مثل الاتحاد الأفريقي أو الأوروبي أو ممثل لدولة ما، مبعوث أو سفير.. ويذهب سعيدا حاملا في يده ورقة عنوانها “موقف الحزب من الحرب في السودان” أو العملية السياسية أو أي عنوان آخر.. ويلتقي بالوفد الأجنبي ويبث في الوسائط الخبر، والأهم الصور،ثم يذهب إلى أهل يتمطى في انتظار “فعل” Action آخر من أية جهة كانت.. ورشة عمل ، ندوة، حوار إعلامي، غداء عمل، أو حتى مناسبة اجتماعية سعيدة أو كئيبة يتاح له فيها حق التعبير السياسي على هامش “صالة الأفراح” أو “سرادق العزاء”.
هل هناك جهة حزبية أو قومية أو حتى أجنبية ترصد مجمل هذا النشاط بدرجات تحدد المسافات Milestones التي حققها هذا النشاط في اتجاه الأهداف؟

من هذا المنطق أحاول دائما في مداخلاتي أن أبحث عن “الفعل” في كومة “الكلام”، والفعل المقصود هنا هو بالتحديد:

التدابير – الاجراءات- السياسات- القرارات- المواقف، التي تشارك في صنع “التأثير” على المشهد السياسي..

و بصراحة.. أعود من البحث دائما بخُف واحد وليس خُفي حنين..

مقالات ذات صلة