مساحة حرة: المهندس عمر البكري ابوحراز يكتب:《مرحباً بالبعثة الأممية والخطة الأمريكية》

اتعجب وأمتع نفسي بالدهشة من الأصوات التي تتوجس وترفض الدعم الإداري من الأمم المتحدة والذي تم استجابة لطلب من الحكومة، وأتعجب أكثر من تحفظ البعض من الحماس والمصداقية في دعم السودان من جانب أمريكا والذي سوف يتبعه أمر يتزامن معه دعم من المجتمع الدولي.
أود الإشارة إلى أن ما قام به د. حمدوك في مخاطبة الأمم المتحدة لمساعدة السودان في التحول إلى حكم مدني ديمقراطي، في ظل مخاطر وعقبات ومطبات كثيرة يمكن أن تعصف بالسودان-إن ما قام به د. حمدوك حق مشروع لكل دولة عضو في الأمم المتحدة وذلك حسب ميثاقها الذي تم إعداد مسودته في 24 أبريل 1945 وتم التوقيع عليها في 26 يونيو 1945 واعتمادها في 24 أكتوبر 1945 في مدينة سان فرانسسكو الأمريكية بواسطة 51 دولة بعد توقيع الخمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن (أمريكا، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا).
الآن عضوية الأمم المتحدة 193 دولة، ماقام به د. حمدوك منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة الفصل السادس (ميثاق الأمم المتحدة مكون من 19 فصلاً و111 مادة)، الفصل السادس المواد من (33-38) والفصل السابع من (39-51)، د. حمدوك استغل المادة (35) الفصل السادس وخاطب السكرتير العام للأمم المتحدة كحق مشروع لأي دولة عضو، تقول المادة (35) أي دولة عضو في الأمم المتحدة يجوز لها أن ترفع أي نزاع أو حالة من المنصوص عليها في المادة (34) إلى مجلس الأمن أو الجمعية العمومية والمادة (34) تقول: (يحق لمجلس الأمن التحقيق والتحري في أي نزاع أو وضع يمكن أن يؤدي إلى احتكاكات دولية أو يؤدي إلى نزاع قد يؤدي إلى تهديد السلم والأمن العالمي).
من منا لا يدرك حجم المخاطر المحدقة بالبلاد بسبب هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية وتباين الآراء، والخلافات العميقة بين مكونات الثورة- المكون العسكري والمكون المدني- إضافة إلى اتفاق جوبا الذي أتاح لقيادات الفصائل المسلحة وقواتها الدخول والتواجد العسكري الكامل في الخرطوم، ومن منا لا يدرك خطورة انهيار النظام الاقتصادي في البلاد وخروج الشارع في ثورات قد تؤدي إلى فوضى ومواجهات عسكرية داخل المدن، مما يهدد الأمن والسلم العالمي، انهيار السودان كدولة وفقدان السيطرة على الأوضاع يهدد كل المنطقة التي تحتقن بمجموعات إسلامية متطرفة تتحين الفرص المواتية لظهورها كما حدث في العراق وسوريا وظهور داعش وكما حدث في افريقيا ومجموعة بوكو حرام.
الأمم المتحدة استجابت على الفور وكوّنت بعثة إدارية رفيعة برئاسة الألماني فولكرالمشهود له بقوة الشخصية والخبرة والفهم العميق للمشاكل الدولية. مهام هذه البعثة هي إعادة الدولة السودانية إلى مقومات الدول الحديثة المحترمة الديمقراطية، وذلك بإعادة الخدمة المدنية إلى قوتها ونزاهتها وكفاءتها التي ورثتها من الإنجليز واستمرت في نفس قوتها بعد الإستقلال حتى العام 1964.
وبعد ثورة أكتوبر 1964، التي أطاحت بنظام عبود العسكري الذي حكم ست سنوات حافظ فيها على نزاهة وقوة الخدمة المدنية وحقق طفرة وتنمية اقتصادية كبرى، وعندما سقط نظام عبود كانت تقارير بنك السودان للعام 1965 تشير إلى تحقيق فائض في الميزان التجاري واحتياطي من النقد الأجنبي. بعد حكم عبود جاء حكم ديمقراطي قصير لم يحقق أي تقدم أعقبه حكم عسكري في مايو 1969حتى أبريل 1985، تأرجح الحكم بين الشيوعية والجبهة الإسلامية وفقدت فيه الخدمة المدنية حيدتها ونزاهتها بعمليات التطهير الواسعة التي أبعدت كل الكفاءات غير اليسارية. جاء بعد مايو حكماً مدنياً قصيراً أيضاً، لم يقدم شيئاً وزاد السوء سوءاً حتى استولت الحركة الإسلامية السودانية على السلطة في انقلاب يعد من أسوأ الإنقلابات، إذ استحدثت فيه أساليب لقمع المعارضة لم تكن مألوفة للسودانيين بل غير مقبولة إسلامياً وعرفياً ودولياً، وهي أساليب التعذيب وبيوت الأشباح والقتل العمد والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وفوق كل ذلك الفساد غير المسبوق الذي حجب عن المواطن العادي ما لا يقل عن (50) مليار دولار عائدات بترولية، كانت يمكن أن تؤدي إلى رفاهية غير مسبوقة للشعب السوداني- الرفاهية في مفهومها العلمي هي قدرة الغالبية العظمى من المواطنين فى الحصول على السلع والخدمات الأساسية بأسعار في مقدورهم وهذا لم يحدث، تدهور الاقتصاد وانهارت المشروعات التاريخية مثل الجزيرة والسكة الحديد والخطوط الجوية والبحرية والنقل النهري وعمّ الفساد، وتم عبر سياسة التمكين تدمير الخدمة المدنية تدميراً كاملاً ممنهجاً وتمت أدلجت القوات المسلحة وكل القوات النظامية الأخرى، وظهرت قوات مسلحة ومليشيات ودفاع شعبي كلها خارج منظومة الحكم تدين بالولاء والإنصياع لأوامر أشخاص في النظام المباد.
هذه البعثة الأممية أتت لتزيل كل تلك الآثار السيئة التي شوهت الحكم في السودان ودمرت الخدمة المدنية وأثرت في عقيدة القوات المسلحة- تزيل هذه الآثار حتى تتم إعادة الخدمة المدنية إلى القوة والنزاهة والكفاءة، توحيد القوات المسلحة في جيش قومي واحد يحمل عقيدة واحدة كما كان في الماضي، وهي حماية الوطن براً وبحراً وجواً وحماية الوضع الديمقراطي دون الإنحياز إلى حزب أو فكر سياسي أو آيديولجي.
بدون التعاون مع البعثة الأممية من كافة مكونات الحكم الإنتقالي لن يتم أي دعم من أي جهة دولية خاصة أمريكا- أمريكا الآن وضعت كل تخطيطاتها المستقبلية في منطقة أفريقيا على افتراض السودان القوي اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً حتى يكون السودان هو مركز الثقل والحركة، حتى تحافظ أمريكا على أمنها القومي خارج حدودها لذلك لن تترك السودان، وإذا واجهت البعثة الأممية أو المؤسسات الدولية المالية أو أمريكا ظروفاً غير ملائمة ومتسقة مع خططها سوف تلجأ للخطة (ب)، وهي السيطرة الذكية على الحكم في السودان التي تبدأ بانقلاب ناعم وليس بالضرورة عسكرياً- انقلاب ذكي يزيل من المشهد السياسي شخصيات مدنية وعسكرية في سيناريوهات مقبولة للمواطنين الذين يجأرون بالشكوى من غلاء المعيشة، تدني الخدمات، انعدام الأمن في المدن وتزايد المواجهات الدامية في دارفور والتي قد تزيد بعد تدني الأوضاع الأمنية والسياسية المتوقعة في تشاد بعد مقتل إدريس دبي.
كل المؤشرات والأحوال ستقود عاجلاً إلى سيناريو أمريكي سوف يفيد المواطن السوداني البسيط ولا مخرج خلاف السيناريو الأمريكي القادم وأنا معه قلباً وقالباً لأن البديل كارثي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *