من يعوض من ؟ .. ومن يحاكم من

د. عبد المحمود النور

من هو الأحق بالمطالبة بالتعويض .. الشعب السوداني المستضعف ام الشعب الأمريكي المستبد ؟
هل كان الأولى أن يدفع السودان تعويضات ضحايا تفجيرات لم يرتكبها وليس له علاقة مباشرة بها .. ام أن تعوض امريكا الملايين من أبناء الشعب السوداني المسكين ضحية العقوبات الامريكية لأكثر من ( 27 ) عاما من الحصار ومنع كافة التحويلات المالية ، والقروض والمساعدات الدولية ، ومنع دخول كافة التقنيات الزراعية وقطع غيار الأجهزة والمعدات الحديثة ، ومنع تصدير الصادرات السودانية للخارج ، مما أورث السودان الفقر والجوع والمرض والخراب ..
بماذا نفرح ؟ بدفعنا الجزية من عرق ودماء شعبنا ونحن اذلة صاغرين للامريكان ؟ أم نفرح بدفع تعويضات لجريمة لم نرتكبها ؛ مقابل نيل حقنا الأصيل المسلوب بواسطة أكبر قوى ظالمة في العالم “امريكا” التي ظلت تمارس علينا كافة أنواع الابتزاز والتدخل السافر في شؤوننا الداخلية .. !!
أمريكا وكل العالم يعلم أن فرية دعم السودان للارهاب لا تسندها أي أدلة او شواهد ، وهي تماما مثل ادعاء امريكا ان العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وان له صلة بتنظيم القاعدة .. يعلم الامريكان ان اسامه بن لادن خرج من السودان مجردا من كافة إمكاناته المادية وبالتالي لم يقدم السودان له أي مساعدات مكنته من تنفيذ كافة العمليات سواء في ( نيروبي او دار السلام ، او تفجير المدمرة يو أس أس كول ، او أحداث 11 سبتمبر , او غيرها ) ..
انفرح بتحملنا مسؤولية اخلاقية وهي اعترف رئيس وزرائنا بمسؤولية السودان تجاه عمليات إرهابية سيظل الاعتراف بها وصمة عار تاريخية في جبيننا ، ودليلا قانونيا تبني على أساسه امريكا المستبدة مشروعات قرارات تسمح لها مستقبلا بمزيد من التدخل في شئوننا الداخلية ..
ان اعتراف حمدوك بمسؤولية السودان تجاه هذه العمليات هو بمثابة تمكين عنق السودان من السكين الأمريكية لتقوم بذبحه بدم بارد .. وقد ظهرت جليا وعاجلا الآن للمساس بسيادتنا الوطنية في محاولة لتركيع الجيش والقوات النظامية واضعاف قدراتها وتجريدها من إمكاناتها المادية التي تبني بها نفسها لمواجهة كافة التهديدات والمخاطر المحدقة بالوطن !!
وطن يعيش على حافة بركان يغلي وبرميل بارود كفيل بعمل انفجار مدمر يجعل الوطن يتمزق أشلاءا متى ما وجد هشاشة أمنية ، وضعفا في قدراته العسكرية ، وهذه القدرات التي بنيت بعرق أبناء الشعب السوداني تعتبر من أفضل انواع الانجازات التي حافظت ويمكن أن تحافظ على أمن البلاد واستقرارها ، وهي آخر ما تبقى للسودان من مظاهر القوة وهيبة الدولة ؛ بعد أن أهدرت كرامة البلاد وسيادتها بسبب ضعف حكومة الثورة المسروقة ..
ان تجريد القوات المسلحة من مواردها يعيد الجيش لاضعف حالته لمرحلة ما قبل الانقاذ حينما كان الجيش يستجدي حكومة الديمقراطية الثالثة لترسل له الغذاء والمعونات والذخيرة في مناطق العمليات ، حينما كان الجيش لا يجد أحذية ولا ملابس ولا علاجات وطائرات ، وبسبب ذلك كان التمرد يتمدد بسرعة ممنيا نفسه بالوصول قريبا جدا إلى العاصمة الخرطوم لولا لطف الله وقيام ثورة الإنقاذ التي أنقذت البلاد فعلا من الانهيار الكامل ..
ان المكون العسكري المشارك المكون المدني برئاسة حمدوك ، يتحمل كامل مسؤولية هذا الانتكاس وهذا الخنوع ، لأنه سمح لرئيس وزراء معتوه ومنهزم نفسياً وضعيف وطنياً لم يعرف في حياته معنى العزة الوطنية لانه جبل على التسبيح بحمد أسياده الغربيين وأولياء نعمته من أرباب المنظمات الدولية ، سمحت له أن يتحرك بكامل حريته طالبا تدخل بعثة أممية وقوات أجنبية الى بلاده ؛ في سابقة لا يمكن وصفها الا بالعمالة وغياب الوطنية والسعي لخدمة الأجندات الاستخباراتية الأجنبية ..
يجب أن يحاكم رئيس الوزراء حمدوك ووزرائه ( خاصة أولئك الذين أثبتت الوقائع باعترافات بعضهم عن دورهم في العمالة والخيانة الوطنية حينما تسببوا في معاقبة السودان وشعبه باشتراكهمم مع المنظمات الحكومة الأمريكية لفرض العقوبات الاقتصادية ) ، ويجب أن يحاكم كذلك أعضاء المكون العسكري الذين يعتبروا شركاء أصيلين في هذه الجريمة بحق الوطن ، لأنهم أسهموا بشكل مباشر وغير مباشر في كل الخطوات التي قام بها رئيس الوزراء حمدوك لتوريط السودان في هذا الوضع ، ودورهم في توفير مبلغ دفع التعويضات ..
يجب أن يحاكموا – أقلاها – على جهلهم وممارستهم أدوارا ليسوا أهلا لها ، كانت تتطلب رجال دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، رجال دولة يحافظوا على الوطن وسمعته وكرامته وسيادته ..
يجب ان يحاكموا لأنهم لم يتعلموا من دروس الماضي وتجارب الآخرين ، مثل ( العراق ، وليبيا وغيرها ) من الدول التي دفعت أثمانا باهظة للامريكان بسبب الخيانة والعمالة ..
يجب أن يحاكموا لأنهم ظنوا أن الحكم لعبة ووجاهة وبرتكولات تشريفية ، ولم يعرفوا أن الحكم أمانة ومسؤولية صعبة وتضحيات يمكن أن تكلف دفع الأرواح رخيصة في سبيل الوطن ، وليس تسليم البلاد مجانا للتدخلات الخارجية ..
يجب أن يحاكموا لأنهم لم يتعلموا ممن سبقهم كيف يتم التعامل مع خبث السياسة الأمريكية وابتزازها وعدم وفائها بالعهود والمواثيق وتغليب مصالحها على مصالح الآخرين خاصة من الدول الضعيفة سياسيا ، لضمان السيطرة على مواردها الطبيعية ( امريكا تنظر إلى موارد السودان الطبيعية كاحطياطي استراتيجي لها ) ..
لم استغرب أن تضعنا مشروعات القرارات الأمريكية الأخيرة تحت رحمة قانون “جلسنا” ، وتفصيل سياسات جديدة تسمح للامريكان بقصقصة أجنحة ونتف ريش القوات النظامية السودانية تحت عناوين وشعارات كذوبة لا تطبقها امريكا حتى على نفسها مثل الحرية والديمقراطية وغيرها ..
مع حلول الذكرى الثانية لشرارة ثورة ديسمبر يجب أن يعيد الشعب السوداني تقييم وضعه ، ومعرفة حسابات الربح والخسارة ، يجب أن يستعيد دولته وكرامته وسيادته التي صارت منقوصة بل تتجه لأن تكون معدومة تماما والبلاد تتجه لأن تكون بالكامل تحت الوصاية الدولية بسبب خيانة وعمالة من يتسنمون أمرها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *