التفكيك الأخلاقى “Moral deconstruction” .. بروفسير: صلاح الدين خليل عثمان ابو ريان
تعد الاخلاق من ركائز بناء المجتمع والوسيلة الأساس في التعامل ما بين الناس، وقد أكدت جميع الأديان على ضرورة التحلى بالأخلاق والأنسان لا يحقق جوهره إلا فى صورته الأخلاقية وغياب الأخلاق يؤدى الى تصدع المجتمع وإنهيار علاقاته الاجتماعية ( انظر مؤلفنا الاخلاق ومذاهبها)، وفى هذا يقول شاعرنا أحمد شوقى: اذا أصيب القوم فى اخلاقهم… فأقم عليهم مأتما وعويلا…. التفكيك الاخلاقى عبارة عن ممارسة نقدية تساعد على تأويل الفكر الغربى عن طريق قلب أو ازاحة التقابل الثنائى التراتبى، ويرى الفيلسوف الفرنسى جاك دريدا، انه سلاح معرفى رصين هدفه إعادة قراءة النصوص الفلسفية والفكرية بطريقة نقدية وجديدة بعيدا عن الولاءات المجافية للافكار.
ويرى فرانسيس جولدن أنه يؤدى الى رفض مفهوم الأخلاق التقليدية الذى يستند الى فكرة وجود معايير اخلاقية عالمية بدلا ذلك يقترح جولدن أخلاقا نسبية تستند على إحتياجات ورغبات الأفراد والمجتمعات.
أما جودث بطلر يشير الى ان التفكيك الاخلاقى يعتبر اعادة لبناء مفهوم الاختلاف بطريقةأكثر وان الاخلاق يجب ان تستند على الاختلافات بين الأفراد في المجتمعات، بينما يرى بول ريكور ان التفكيك عبارة عن كشف التناقضات فى الاخلاق التقليديةثم إعادة بناءها بطريقة أكثر دقة وموضوعية ويلاحظ أن ريكور يركز على مفهوم التأويل ويعتقد ان الاخلاق يجب ان تستند الى فهم عميق للسياقات الاجتماعية والثقافية. هذا يعنى أن التفكيك يسعى لنشر القيم الاخلاقية المتناقضة والتشكيك فى القيم الاخلاقية بالاضافة الى إضعاف المؤسسات الداعمة للقيم وهدم الرموز والقدرات والنماذج المجتمعية المعززة للفضائل الاخلاقية. كما انها باختصار شديد تعمل على تشويه القيم الاخلاقية الاصيلة بحجة انها غير مواكبة للراهن المعاصر. وعن منهجية التفكيك الاخلاقى نراها تطبق على مراحل وفقا لدراسات معينة.
ويرى انفلوفونى (عميل سابق فى الاستخبارات السوفيتية ) أن مرحلة التخريب تستغرق من سنة الى ٥ سنوات ثم الى ١٠ ثم الى١٥ سنة وأن هذه المدة كافية لتعليم جيل واحد من الأطفال أو الطلاب هى فترة من حياة الانسان تشكل النظرة على الحياة الايديولجية والشخصية لا أكثر ولا أقل.
مجالات التفكيك والتخريب:
١. الدين: دمره وأسخر منه وإستبدله بطوائف مزيفة تبعده عن الغرض الأساس للدين ، إصرف عنه إنتباه الناس سواء عن قناعة أو سذاجة، وكل هذا لا يهم طالما يحدث تآكل بطئ للعقيدة المقبولة. العمل على استبدال المنظمات الدينية بأخرى مزيفة تصرف الناس عن الايمان وتعمل على التشكيك فى القيم الدينية باعتبارها قيم بالية لا فائدة منها وحبب اليهم عدة معتقدات دينية اخرى مختلفة.
٢. التعليم : ضرب منظومة التربية والتعليم .ألههم عن تعلم شئ مفيد وعملى فعال من تعلم الرياضيات والكيمياء والفيزياء والهندسة واللغات.علمهم تاريخ الحروب الحديثة والأطعمةالنباتية والميول الجنسية ،الاقتصاد المنزلى والعمل على افشال كل خطط ووسائل التعليم.
٣. الاجتماع: العمل على إحداث تغيرات سريعة فى المجتمعات عن طريق وسائل الاعلام الغير مدركة لدورها، ونشر القيم المتناقضةالمتعارضة مع القيم الانسانية، مثلا الأنانية مقابل الإيثار وإعتبار الكذب مسلك حديث، ويلاحظ أن فقدان القيم الاجتماعية يؤدى الى تفاقم وإنتشار الجريمة والحروب والبطالة ويعتبر التفكيك الاخلاقى بناء إجتماعى يعمل على إستبدال المنظمات والمؤسسات التقليدية بمؤسسات مزيفة وإنتزع عنصر المبادرة من الناس ، وانزع المسئولية منه، الروابط الطبيعية بين الافراد والمجتمعات والمجتمع باكمله وإستبدالها بكيانات إصطناعية. كل هذا يمثل تحديا للمجتمعات الانسانية ويؤدى الى الفساد السياسى وغياب الشفافية ، وتنشر الصراعات الاجتماعية. عندها تتدهور العدالة والامن وزيادة العنف والجريمة والعنصرية البطالة والفقر والتغير الاجتماعى السريع وانتهاك حقوق الانسان كل هذا يعرض مستقبل المجتمعات الانسانية للتخريب بالرغم من أن الاخلاق تختلف من مجتمع الى آخر وتعتبر هذه المراحل أهم إستراتيجيات تدمير المجتمعات والشعوب.
Demoralisation of societies
أما السيناريوهات تتمثل فيما يلى:
اولا: إستمرار الأزمة وتفاقمها مما يؤدى الى مزيد من الإضطرابات الأجتماعية والسياسية وإنهيار المجتمع الانسانى وإنتشار العنف وظهور مجتمع جديد بقيم مختلفة. ثانيا: نجاح جهود الحد من الأزمة والعمل على إستقرار وبناء المجتمع على أسس اخلاقية تحقق مستقبلا اكثر ازدهارا.
ثالثا: حدوث تغيرات إجتماعية تؤدى الى ظهور قيم جديدة تختلف عن القيم التقليدية، والجديدة قد تكون أكثر ملائمة للمجتمع.