عثمان ميرغني يكتب .. منطقة حرة سعودية-أفريقية بالسودان

عثمان ميرغني يكتب .. منطقة حرة سعودية-أفريقية بالسودان

القمة السعودية الأفريقية الأولى (الجمعة 10 نوفمبر 2023) أتت في مرحلة تكوين عالمي جديد، بعد اضمحلال المحاور التقليدية واستبدالها بسياسات التعاون الاستراتيجي وفق منظومات مرنة و متحركة.

و استطاعت السعودية الانطلاق بسرعة لتكون واحدة من أكثر الدول استيعابا و استثمارا للمتغيرات العالمية ليس في صفقات قصيرة المدى بل على المستوى الجيوستراتيجي الذي علاوة على المصالح الآنية يوفر بعدا جيوبوليتيكيا مهما، خاصة أن للسعودية كثير من المزايا الحاكمة على المستويات الاقليمية والدولية معا.

بطبيعة الحال؛ القمة السعودية الأفريقية تركز على القضايا المتعددة Multilateral وليس الثنائية Bilateral ومن هنا كان يفترض أن تنطلق محاور كلمة الرئيس البرهان.

قضية الحرب في السودان لا تصلح مدخلا لكونها في أسبابها و أطرافها و قرار وقفها كلها سودانية خالصة، بينما للسودان موقع متميز في صلب الأجندة الرئيسية التي تختص بها هذه القمة.

السعودية بصفتها الدولة المنظمة و المستضيفة والتي يحمل اسمها عنوان القمة، لها قضايا محددة تشكل صدارة اهتمامها بأفريقيا وهي:

أولا: أمن البحر الأحمر : وقد سعت السعودية عبر مبادرة الملك سلمان لمنظومة الدول المتشاطئة في البحر الأحمر وخليج عدن لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين الدول التي غالبها أفريقي، و بالضرورة السودان محور ارتكاز مهم لمنظومة أمن البحر الأحمر، ويزيد من أهميته أنه الدولة المقابلة للشواطئ السعودية في أهم المناطق، الأراضي المقدسة مكة و المدينة و اطلالتها البحرية المدينة الثانية على مستوى المملكة “جدة”.

ثانيا: مبادرتا طريق الحرير والممر الاقتصادي:

الصين تتبنى مبادرة الحزام والطريق “طريق الحرير” التي تربطها عبر جنوب شرق أسيا بأوروبا وبقية العالم، بينما تتبنى الهند مبادرة “الممر الاقتصادي” والذي يشابه طريق الحرير مع اختلاف طفيف في المسار، اذ يستخدم الممر المائي من الهند الى الخليج العربي ثم البحر الأحمر وصولا الى أوروبا، بينما يمتد المسار الآخر عبر السعودية بالسكك الحديدية إلى البحر الأبيض المتوسط.

وتبنت السعودية مع دول أخرى في قمة مجموعة العشرين الممر الاقتصادي

وقبلها مبادرة الحزام والطريق أيضا.

في كلا المبادرتين يمثل البحر الأحمر الممر المائي الذي تمر به خطوط التجارة الدولية ويلعب دورا حيويا في تطوير سلاسل التوريد التي برهنت أزمة كورونا أنها أضعف حلقات التجارة الدولية.

السودان بموقعه البحري و الجيوبوليتيكي عموما يعد واحدا من اهم الشركاء في القارة الأفريقية، ومن هذا المنطق كنت أتوقع أن يبدأ خطاب البرهان في القمة، أن يقترح السودان على السعودية إنشاء منطقة حرة كبرى تربط السعودية بالقارة الأفريقية على ساحل البحر الأحمر في السودان.

مثل هذا العرض مغري لجذب الشراكات الاستراتيجية بين السعودية وأفريقيا ، وبين السعودية والسودان تحديدا أيضا.

المنطقة الحرة على الشواطئ السودانية تمثل اطلالة على التجارة الدولية لحوالي 27 دولة أفريقية ممتدة عبر أفريقيا على رأسها أثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وتشمل أيضا نيجيريا وبقية دول الساحل وغرب أفريقيا.

خلق مثل هذه الشراكة السعودية الأفريقية عبر المنطقة الحرة في السودان تمثل عمقا استراتيجيا للمملكة العربية السعودية يمنح كل مزايا الأمن القومي والمصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية.

من هنا كان على خطاب البرهان أن يبدأ.. ويترك قضية الحرب في السودان لاجتماعات الغرف المغلقة.

مقالات ذات صلة