حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : مطلوب رئيس وزراء..

قبل يومين كنت في حوار مع إذاعة “سوا” من واشنطون ومعي الطرف الآخر من اثيوبيا، و لفت نظري أنه عند سؤال مقدم البرنامج لماذا رفضت اثيوبيا في صراعها مع التقراي الوساطات الخارجية بما فيها منظمة الايقاد، رد قائلا (اثيوبيا نجحت في منع تدويل أزمتها الداخلية).. بصراحة أعجبني مفهوم الاجابة بغض النظر عن أية تقديرات أخرى، لكن فعلا في المقابل، السودان اجتهد في تدويل أزماته السابقة والراهنة.

والتدويل ليس عيبا من حيث المبدأ، فنحن نعيش في كوكب صار قرية، وتتداخل الاهتمامات والتأثيرات فيه فالمجتمع الدولي على معنى القول المأثور كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد.. فالتدويل إذا عطل القدرة على الحل الداخلي يصبح هو المشكلة، خاصة عندما يكون الداخل قادرا على الحل وبكفاءة وحسم..

وبكل أسف يكثر في الخطاب السياسي السوداني استخدام عبارة (الحوار السوداني السوداني) دون أن يسندها فهم وعمل يستوجب ابتدار كبسولة هذا الحل المرتجى.. فكأنما هي تعويذة أكثر منها اجراءات وعملية سياسية يجب أن تظهر في العلن بصورة واضحة غير مبهمة.

الحوار السوداني لا يمكن أن يبدأ بغير خطوات عملية على الأرض.. قرار من مجلس السيادة بتعيين رئيس وزراء قومي لا حزبي ينال توافقا واسعا (ليس مطلوبا الاجماع) من مختلف أطيا1ف الشعب السوداني ومكوناته السياسية..
هذا هو رأس الخيط في فك شفرة الأزمة السودانية الدامية..

رئيس الوزراء يختار وزراء مقبولين قوميا لتكوين حكومة كاملة الدسم، حكومة فوق المسميات المقعدة التي يرددها البعض مثل حكومة حرب أو حكومة انتقالية وغيرها.. هذه توصيفات تقلل من كفاءة العمل وتقلل من قيمة الحكومة عند الشركاء الخارجيين من دول ومنظمات، فهي حكومة كاملة الدسم بتفويض شامل غير منقوص لادارة البلاد مدنيا مع ترك شئون الجيش والأمن للعسكريين تقديرا لأوضاع البلاد الراهنة ولحين الخروج من النفق المظلم.

رئيس الوزراء الجديد وحكومته هم الهيئة المسؤولة عن المفاوضات بين الجيش والدعم السريع، وبذلك تنتفي الوساطات والرجاءات الخارجية و تصبح الأزمة كلها في أحضان سودانية قادرة على الارتفاع لمستوى المسؤولية المستحق.

هذا الوضع يمنح السودان فرصة الخروج السريع من الاقتتال والتدمير الشامل، إلى منصة الانطلاق نحو بناء دولة السودان الحديث على أنقاض الفشل الذريع الذي حبسنا في مربع الدول الفاشلة.

لا أريد تكرار أن الأوضاع الانسانية بلغت حدا لا يمكن أن يجعل حل الأزمة رهن الانشغالات الشخصية أو السياسية، فالمطلوب فك أسر المواطن السوداني اليوم قبل الغد لأنه رهينة الحرب الدائرة حاليا التي عطلت معاشه حياته فضلا عن خسائرها الجسيمة في المال و الاهل والولد.

يجب ان ينطلق الحل العاجل من وضع المواطن المغلوب على أمره.. فالساعة عنده كالأسبوع.. واليوم كالسنة.. و دقات عقارب الساعة كعقارب تلدغه في قلبه مع كل دقة..
مطلوب رئيس وزراء من شعب مستنير لديه ملايين الذين يصلحون للمنصب.. هل هذا صعب؟

مقالات ذات صلة