حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : حمدوك في القاهرة..

سبق للدكتور عبدالله حمدوك زيارة القاهرة وهو رئيس وزراء مسنود بدعم جماهيري غير مسبوق في تاريخ السودان، فكانت أول زيارة إلى دولة عربية في 18 سبتمبر 2019.. والآن يعود إلى القاهرة لكن بصفة أخرى محتلفة تماما.. رئيس تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية “تقدم”.

أهمية الزيارة كونها تثبت أن (لا بديل للقاهرة إلا القاهرة) إذ تأسسست مجموعة “تقدم” في أحضان الهضبة الاثيوبية وظلت غالبية اجتماعاتها تعقد هناك إلا النذر القليل الذي توزع بين “نيروبي” و “كمبالا”.. وكان واضحا أن “تقدم” تنظر بتوجس إلى القاهرة من”ثقب الباب” دون أن تحاول فتحه.. لكن مع التحولات الأخيرة وبروز الدور المصري سافرا خاصة في مفاوضات “المنامة” التي لامست “العارضة” وكادت أن تلج الشباك أدركت مجموعة “تقدم” أنها في حاجة للنظر بعين الاعتبار للثقل الاقليمي والدولي المصري.

صحيح الزيارة تركز بصورة أساسية على لقاءات بالقوى والشخصيات السياسية السودانية المقيمة بمصر، لكن البند الأهم في جدول أعمال حمدوك يتركز حول لقاءاته بالجانب المصري.. وبالضرورة مصر مستعدة لسماع ما يريد أن ينقله إليها لكنها لاتتوقع مفاجأة أكثر مما هو منثور في الفضاء الاسفيري والاعلامي.

رؤية مجموعة “تقدم” لوقف الحرب والعملية السياسية التالية لها مبذولة في الهواء الطلق ووقع عليها علنا في اللقاء مع قائد الدعم السريع بناير 2024 الماضي بأديس أبابا، وفي عمومها لا تختلف كثيرا عن ما هو مطروح من عدة قوى سياسية أخرى، وكانت “تقدم” تأمل –ولا زالت- أن تجد موافقة البرهان على اجتماع دعته إليه ولم تجد منه قبولا أو رفضا.
تغيرات الموقف الدولي والاقليمي تجاه الأزمة السودانية أعاد مزيدا من أوراقها إلى القاهرة، وباتت هي المفتاح الرئيسي الذي يقود إلى اكمال توافقات منبر جدة ويحولها إلى اتفاق تسوية نهائية، ومصر تستعد حاليا لاحراز الهدف الذهبي باطفاء حريق السودان و استعادة الاستقرار قبل فوات الأوان.

وفي ذلك تملك مصر عدة أوراق قوية، أولها اتصالها المباشر مع أطراف الأزمة كافة، العسكريون والسياسيون تنظيمات وأفرادا.. بل مصر هي الملاذ الأمن الذي احتضن حتى مؤتمرات القوى السياسية والمجتمعية السودانية بما فيها الدعم السريع الذي شارك في ورشة برعاية فرنسية في القاهرة.

لا تتحفظ مصر على أي قوى سياسية او مجتمعية سودانية بل توفر لها خطوط تواصل فعالة بينها أو مع الدولة المصرية، مما رفع مناسيب ثقة هذه الأطراف في الدور المصري الذي يتجاوز الوساطة المحايدة إلى الدعم القوي والدفع في اتجاه الحل.

قد يستطيع الدكتور حمدوك القفز إلى مربع جديد واحداث اختراق كبير في ملف الأزمة السودانية لو استمع جيدا لنصائح القاهرة في ضرورة فتح الصدور والباب لأوسع توافق سياسي و مجتمعي سوداني بدلا عن سياسات الاستحواذ قصيرة النظر والتي كانت من أسباب حرب 15 أبريل 2023.

صحيح د. حمدوك لا يحبذ القرارت الكبيرة الحاسمة، ويفضل التزحلق على جليد انتظار الفرص الجاهزة، لكن الأصح أن ظرف الزمان والمكان هنا لا يمنح ترف مثل هذا الانتظار.. فالقطار تحرك من المحطة، اما أن يركب أو أن يتحقق فيه قولة الرئيس اليمني علي الأسبق علي عبد الله صالح (فاتكم القطار)..

مقالات ذات صلة