حديث المدينة الوجه الآخر للحرب..

كثير من السودانيين عاشوا حياتهم في المدن التي ولدوا فيها، او الولايات التي ينتمون إليها، ولم تسنح له الفرصة أو الرغبة في رؤية بلدهم الكبير السودان.. خاصة سكان العاصمة الخرطوم ربما ثلثهم لم يخرجوا من حدود ولايتهم..
الآن، الحرب أجبرت ملايين السودانيين على النزوح، ونسبة كبيرة منهم نزحوا إلى أكثر من منطقة، مثلا من خرجوا من الخرطوم ذهبوا إلى مدني، مرورا بمدن وقرى الجزيرة، ثم بعد احتلال الدعم السريع للجزيرة، خرجوا إلى سنار، ومنها إلى القضارف ثم كسلا، ثم وصلوا بورتسودان، وربما لارتفاع تكاليف الاقامة واصلوا طريقهم إلى عطبرة، وقد ينتشروا في مدن الشمالية مروي والدبة ودنقلا حتى وادي حلفا..

هذه الرحلة الممتدة ساهمت في تعريف السودانيين ببلدهم الكبير القارة.. وكم من محنة أنجبت منة.. رغم كون أن هذه السياحة لم تكن رغبة ومتعة ولكن في نهاية الأمر هي قدر له وجه الشدة مثل ما له وجه المنة.

أليس حريا بنا أن نحاول قراءة الوجه الآخر للحرب في مسألة الحكم الفيدرالي؟ واقع بلادنا المتخلف جعل التجوال بين الولايات والمدن مشقة وعذابا لا سياحة ومتعة .. والمدن التي نزح إليها الهاربون من جحيم الحرب لم تكن مهيئة لهؤلاء الضيوف، رغم أن مدن العالم كلها تجتهد في جذب الضيوف لتنشيط التجارة و السياحة وزيادة فرص العمل والعائد المادي الذي تجلبه السياحة..

من الحكمة أن نعيد النظر في نظام الحكم والادارة في بلادنا.. قبل الحرب كانت هناك سلسلة ورش عمل ومؤتمرات للمفاضلة بين نظام الولايات المعمول به حاليا ونظام الأقاليم الذي كان سائدا في العهود قبل الانقاذ.. ويبدو أن دارفور لم تنتظر خلاصة هذه المؤتمرات و تعجلت التحول إلى “اقليم” رغم عدم اتساق ذلك مع بقية انحاء السودان، وكان ذلك منصوصا عليه في اتفاق جوبا للسلام الموقع في أكتوبر 2020، إذ نص على اقامة ورش عمل لاختيار نظام الحكم والادارة وفي حال عدم اكمال ذلك في الستة أشهر بعد توقيع الاتفاق يحق لدارفور أن تتمتع باقليم دون انتظار لاستكمال المشاورات حول نظام الحكم والادارة.

في تقديري ان زبدة نظام الحكم والادارة ليس في كونه اعتمد الولايات أو الاقاليم وحدة جغرافية، بل في تغيير منهج التفكير لفصل الكلمتين عن بعضهما، فبدلا من نظام الحكم و الادارة فليكن للحكم نظام، ونظام للادارة، أي التعامل معهما بمفهوم مستقل لكل منهما..
ستسألني كيف؟ و أنا أجيبك..
يمكن اعتماد نظام الحكم بالولايات أو بالأقاليم..حسب ما تخلص له توصيات المؤتمرات التشاورية و نصائح خبراء أنظمة الحكم.. بينما يصمم نظام الادارة منفصلا معتمدا على مبدأ (الحواضر)..
Urban ..
الحواضر هي السلسلة الممتدة بين أربعة توصيفات وهي:
المدينة المركزية : وهي المدن الضخمة Mega city.
المدينة : وهي المدينة الكبيرة City
المدينة الصغرى Town
القرية : Village
لكل من هذه المدن اشعاعها المداري حولها Satellite المتصل بها متدرجا بذات التسلسل الذي ذكرناه للحواضر..
يظل الجهاز السيادي والتشريعي يعمل في الولاية بحدودها الجغرافية لكن تستقل الحواضر بنظمها الادارية..

و تعتمد التنمية على النظام الاداري “الحواضر” وليس السيادي..
ساعود للموضوع بشرح أكثر تفصيلا..

مقالات ذات صلة