مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني يكتب :اختفاء تام لقادة تقدم في ظل تنامي تيار شبابي عريض مناصر لبراؤون

حينما تأتيك الفرصة سانحة للحكم في المرة الأولى بتاريخ الحادي عشر من ابريل 2019 م للقبول بفترة انتقالية كما كانت في العام ١٩٦٤ والعام ١٩٨٥ م بعد تغيير ثوري مشابه تماما للحكم في السودان، ولكن ان تضييع تلك الفرصة بالطمع في التهام كيكة السلطة كلها وتركيز كل جهودك في تصفية الحسابات السياسية ومحاولة القضاء على الخصم السياسي وسحله وذر رماد بقاياه في الهواء، وهو خصم قد كان مسالما اصلا ولم يبدي اي نوع من انواع المقاومة بل تخلي سريعا عن الحكم وحتي رئيسه لم يبدي اي نوع من المقاومة اوالعناد بعد ان امسك نفسه عن ناموس شهوة السلطة كما قاوم بشدة رؤساء آخرون في اليمن وتونس ومصر وليبيا، ويشهد التاريخ للرئيس الأسبق البشير انه قد وافق على تسليم الحكم داخل مسجد بيت الضيافة وهي لعمري سابقة قد لاتكرر كثيرا في التاريخ الحديث وربما حتى التاريخ القديم ان توافق بهدوء على تسليم الحكم داخل مسجد ، فالصراع على الحكم قد نشب منذ بدء الخلق وكان قد بدأه قابيل الذي قتل هابيل وان كان الهدف غير سياسي ولكنه صراع النفوذ على قلب امرأة ، وكل روايات المؤرخين تشير إلى أنه لم يتم تسليم الحكم طواعية بسهولة كما فعل المشير سوار الذهب وفعلها بعده البشير ، ولكن لاسباب خاصة بالصراع والتنافس غير الشريف مابين اليمين واليسار السوداني المتطرف تم تشويه مواقف الرئيس البشير والصاق العديد من التهم وحياة مجموعة اكاذيب كان بطلها كبير الكذابين دراكولا أفريقيا حميدتي والله وحده يعلم مدى صحة مانسب له.
و مع زوال سكرة التنويم المغناطيسي و الغشاوة التي خلقتها الدعاية السوداء وغسيل العقول الذي مارسه تجمع المهنيين وبعده تكتل ماعرف بالحرية والتغيير تجاه عقول الشباب السوداني دون أن يتيح فرصة لهم للتفكير في الواقع الحقيقي للأحداث واكتشاف الحقيقة فهو شباب لم تتح له فرص المقارنة مابين واقع وجدته الإنقاذ وواقع خلقته الإنقاذ هم ولدوا فيه وعاشوا عرهم كله فهم فقط كانوا يرون أخطأ عهد الإنقاذ إذ لم يعيشوا واقع سياسي سوداني اخر غيرها ، فبعد زوال تلك الغشاوة أدرك الشباب انهم قد وقعوا بالفعل فريسة وضحية لمجموعة انتهازيون مستجدين في عالم السياسة والحكم يستندون بدرجة كبيرة على حجج الاكاذيب والغش والتدليس و التزوير وتساندهم قوي اقيليمية ودولية شريرة تستهدف السودان الأرض والانسان، وهي القوي التي ظلت منذ العام 2018 م تحيك المؤامرات وتخرب الاقتصاد السوداني وتدبج عبر الاسافير الإعلامية المختلفة مجموعة من القصص القصيرة والحكاوي والحكايات لتتم صياغتها بعناية لاجل كسب عقول قلوب الشباب بغزض القضاء بالضربة القاضية على الخصوم المستهدفين وهم اهل الحكم وقتها الإنقاذ وحلفاؤها، كان الهدف ان تخلو الساحة تماما للقادمون الجدد وهم اليسار المتطرف بكل تشكيلته ليحكموا لعشرون عاما او تزيد دون انتخابات وهذا ما كشفه لسان شريكهم وحليفهم العسكري دقلو في لقاء مع مراسلة قناة العربية .
تكتل الحرية والتغيير ركز على عملية التصفير او الصفرية او الجذرية كما يرددون وكذلك الانتقام وحصروا مهامهم كلها في القضاء على الخصم (المؤتمر الوطني) في ظل وجود تأييد جارف لهم على اي خطوة سياسية او عسكرية او حتى اجتماعية قد اتخذوها انذاك ضد حكومة الإنقاذ وقادتها في المقابل كان الخصم في حالة حلم وسكون وهدوء قد آثار دهشة واستغراب من المحللين والمراقبين ، وقد أشرنا الي ان ذلك نادرا ما يحدث في عالم الصراع على السلطة كما تحكي كتب التاريخ وروايات الصراعات السياسية في العالم، فقد انعدمت المقاومة العنيفة وغاب رد الفعل العنيف لاي استفزاز اوظلم طال قيادات الإنقاذ او حتي كوادرها في الجامعات او المؤسسات الحكومية، وخابت ظنون وتوقعات احد شيوخ الضلال اليساري الحاج وراق الذي كان يحلم ويتمنى ان تتحقق توقعاته لكي يبدأ الاسلاميين بالسودان سلسلة تفجيرات وعمليات انتقامية كما حدث في دول اخري ، ولكن تلك المقولة تنم عن سذاجة وعدم ادراك بدستور واخلاقيات الحركة الإسلامية بالسودان والتي تختلف اختلافات فكريا كبيرا مع التنظيمات الجهادية التي تتخذ العنف والتفجيرات كوسيلة للسيطرة على الحكم في بعض البلدان الإسلامية.
رغم كل الفرص التي اتيحت لقحت خلال عامين او اكثر من سقوط الإنقاذ، لم تستغل قحت الفرصة وترك الأمر للمجلس العسكري لتكوين حكومة انتقالية لفترة عام او عامين وإجراء انتخابات حرة كانت فرصة اكتساحها ربما ستكون بنسبة تفوق الثمانين في المائة إذ ان كثير من التيارات الإسلامية كانت مع التغيير وتنشد ظهور وضع سياسي جديد على انقاض الإنقاذ التي حكمت لثلاثون عاما ولكن سعت قحت لتدبيج وثيقة مشوهة وقبيحة لتنشأ شراكة بينها والعسكر، وركزت الحرية والتغيير كل جهودها في التشفي والانتقام والتشهير وقد كان الحديث عن أي انتخابات قادمة او حريات متاحة، كان ذلك من الممنوعات وتم تعطيل المؤسسات الدستورية و التشريعية ، وجاءتها الفرصة الثانية حينما تنفجر الصراع العسكري بين الجيش السوداني و المليشيا المتمردة ، نعم كانت كل الدلائل والمؤشرات تشير إلى تواطؤء تكتل الحرية والتغيير ومشاركته في مؤامرة انقلاب حميدتي الا ان الفرصة قد اتت اليهم مرة أخرى ان ساندوا قوات الشعب المسلحة وتخلوا عن حليفهم وشريكهم في المؤامرة عملا بقاعدة ان السياسة هي المكر والهاء وفن الممكن ، ولكن بغباء يحسدون عليه وسذاجة تمسكوا بمصطلح واحد وظلوا يرددونه بنفاق واضح (لا للحرب) في وقت كانوا يتمنون فيه ليل نهار ان ينتصر الجنجويد على جيشهم الوطني، وقد وصلت اخبار فرحهم واحتفالاتهم بفنادق اديس ابابا حينما اجتاحت عصابات الجنجويد نيالا انسحاب أبطال الجيش السوداني منها.
الفرصة لن تأتي مرة ثالثة خاصة في عالم السياسة والحكم والسلطة، الان وقد انكشف الغطاء عن قادة قحت او تقدم او المخلوعين ايا كانت الإسماء او الالقاب الجديدة ، ومن الواضح أن الشعب السوداني قد لفظهم تماما، وقد أدرك الشباب الذين كانوا يهتفون لهم ويتغنون باسمهم و يتقدمون صفوف الموت في المظاهرات المساندة لهم في هجير الشمس الحارقة ووقتها كان سلك وصحبه بقاعات مجلس الوزراء حديثة التكييف وهو قد كان نائبا لحمدوك بحكم موقعه وهو منصب اكبر من سنه وعقله وخرجت الكثير من الروايات انه قد كان يمارس الديكتاتورية والتسلط في اجتماعات مجلس الوزراء ، الان لم يتبقى لهم شيئا من ذلك التيار الشبابي العريض الا حفنة عاهرات وبعض الساقطين الذين فضلوا العمل كقوادين لعصابات الدعم السريع ، صعد تيار شبابي جديد يرفض كل الماضي ولم يكترث كثيرا إلى الدعاية السوداء التي ظلت غرف الليل الإعلامية التابعة لقحت والمليشيا تنشر خلالها الإشاعات والاكاذيب عن كتائب البراء التي تضم خيرة شباب السودان ومعظمهم ان لم يكن جميعهم من الشباب المستنير المحصن بعادات وتقاليد اهل السودان وقبلها متحصن بكتاب الله وهم يعتبرون ان الجهاد من اجل الأرض والعرض والمال فرض عين لذلك ساندوا جيشهم الباسل وهم يخوضون معركة الكرامة والعزة، هذا التيار الشبابي قد لفظ تماما ماضي الحرية والتغيير المليء بالانتهازية والاكاذيب والنفاق والفساد المالي والإداري ، قادة قحت او (تقدم) الان أصبحوا عراة تماما امان عيون الواقع وسقطت منهم كل أوراق التوت التي كانوا يراهنون بها، ويبدو ان تعبيرات ياسر عرمان التي كان يتحدى بها الذات الإلهية و تقديرات العزيز الرحمن قد ارتدت عليهم فأصبحت بالفعل
(الردة مستحيلة) لهم الي الحكم او حتى ان تطأ اقدامهم ارض السودان الطاهرة مرة أخرى .

مقالات ذات صلة