حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : اعفاء وزير الخارجية “المكلف”!

لم يتفاجأ أحد بالقرار الذي صدر أمس باعفاء وزير الخارجية – المكلف- السفير على صادق، فمنذ فترة تثرثر وسائط التواصل الاجتماعي بتوقع بل ترقب هذه الخطوة، و ربما الذي كان يدهش الكثيرين تأخر القرار.

السودان يعاني منذ فترة من عزلة اقليمية ودولية حالكة، بين من توفر الأكسجين الذي يبقى جمرة الحرب مشتعلة، ومن تلوذ بالصمت في معرض البيان، أو من تضع نفسها في “حالة الطيران”، و ليس مع السودان الا الخُلص.

وللدقة؛ ليست هي المرة الاولى التي يقع السودان في براثن العزلة، بل في فترات سابقة خلال نظام البشير ظل لعهود يكابد حالة حرمان دولي تطورت في فترة طويلة إلى درجة كان رئيس الجمهورية لا يغادر حدود السودان إلا متخفيا خشية إلقاء القبض عليه، وأصبح الإنجاز أن يسافر الرئيس إلى دولة ثم يعود سالما، و الذاكرة لن تنسى ما تعرض له في دولة جنوب أفريقيا عندما وقع في المصيدة وكادت الأغلال توضع في يديه و أفلت بأعجوبة جعلت بعض رجاله يذرفون الدمع عندما هبطت طائرتهم في مطار الخرطوم.

لكن الثابت في كل هذه الحقب التي أغلق فيها أبواب المجتمع الدولي أمام السودان ان الأمر لم يكن يتعلق بشخص وزير الخارجية، و لا أي شخص آخر، بل بالسياسة الخارجية نفسها.

وزارة الخارجية هي رأس الدبلوماسية التي تعبر عن السياسة الخارجية للبلاد، و يفترض أن تتوخى النظرة البصيرة الاستراتيجية في فعلها ورد فعلها وتعاطيها مع الآخر ثنائيا أو تعدديا. وبالضرورة فإن “السياسة الخارجية” ليست اجراء أو فعلا أو قرارا بعينه بل فهم عميق لطبيعة العلاقات الخارجية في ظل الظروف المتغيرة و التعامل معها بأفضل وجه يحقق المصالح القومية للسودان.

وليتحقق ذلك تحتاج السياسة الخارجية لرؤية ومنظور استراتيجي طويل المدى ثم مفاهيم و مرجعيات تساند وتدعم القرار المتصل بها. وفي هذا تتسع المنظومة التي تتشارك في صناعة السياسة الخارجية لتشمل عدة جهات رسمية – بل وشعبية أيضا-، مثلا رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وجهاز المخابرات و هيئة الاستخبارات العسكرية ووزارات الداخلية والعدل ومراكز الدراسات في الجامعات وغيرها. لكل جهة دورها الذي يتصل بتخصصها.

وفي الاطار العام تلعب الدبلوماسية الشعبية التي تشمل مجلس الصداقة الشعبية و الفن والرياضة ومؤسسات التعليم والسياحة وغيرها دورا مساندا للسياسة الخارجية.

وفي آخر المطاف لا يبقى لوزارة الخارجية و رأسها الا تنسيق وادارة والتعبير عن هذه السياسة الخارجية، فإذا غاب هذا الفهم المؤسسي للسياسة الخارجية نحصل على الوضع الراهن، الذي يسمح لأي مسؤول في الدولة أن يقطع العلاقات مع دولة أخرى عبر خطاب شفاهي عفوي لا يتطلب أكثر من الحماس و الهتاف.

وتكون الخلاصة أن يجد السودان نفسه – مرارا وتكرارا- بلا صديق أو رفيق إلا المجبور عليه.

في وضعنا الراهن، يبدأ الاخفاق في السياسة الخارجية من غياب الهرم المؤسسي لبناء هذه السياسة، فالوزير نفسه لا يزال يحمل وصمة “المكلف” في ديباجة منصبه، و قطاعات الوزارة بين نشر وطي في عواصم أخرى، والدولة نفسها مجمدة العضوية في المنظومة الاقليمية الحاضنة والتي تمثل المستوى الأول في التواصل مع بقية العالم.

لا يفيد تغيير الوزير في شيء، فالتغيير المطلوب حقيقة في مواقع آخرى.

مقالات ذات صلة