من القهوة والشاي والكركديه.. فنان سوداني يستخرج ألوان لوحاته من الطبيعة

يرسم الفنان السوداني معتز الفاتح لوحات تنبض بالحياة وتضفي الفرج والبهجة على وجوه زوار معرضه في الخرطوم، لكنها لوحات غير تقليدية حيث يستقي ألوانها من حبوب القهوة وأوراق الشاي وقشور الفاكهة.

ويستخرج الفاتح البالغ من العمر 39 عاما ألوانه وأصباغه المتنوعة مثل الأزرق والبنفسجي من أوراق الكركديه، وظلال اللون البني والبيج والذهبي من القهوة المطحونة، أما الألوان الداكنة مثل الأسود والرمادي، فمن نواة التمور.

وتتناول لوحاته رسوما تجريدية ومشاهد الحياة اليومية لرجال ونساء في السودان بزيهم التقليدي. فهو فنان يرى أن التراث هو نقطة الانطلاق لأي عمل فني عالمي، والبيئة السودانية مليئة بالخامات الطبيعية التي تستحق الانتباه لها وعرضها عالميا، ومن هناك استوحى فكرة استخلاص الألوان من المواد المحلية، فقام باستخلاص اللون الأخضر من قشور الفاكهة والأزهار، والأحمر بدرجاته من الكركديه، كما استعان برسم الشاي والقهوة، وقام بمزج الأشياء مع بعضها البعض للوصول لألوان أخرى.

وتبرز في العديد من لوحاته ألوان مشتقة وممزوجة من قشر فاكهة الدوم وشجرة الباوباب التي تطحن ثمارها ويجهز منها أحد عصائر السودان الشهيرة المعروف بـ”التبلدي”.

ويقول الفاتح “عندي رؤية خاصة في الفنون خصوصا في ما يتعلق بالمواد الطبيعية كشيء بيئي أو كمواد بيئية مستقبلية”.

ويضيف أن هذه المواد “قد تعني للآخرين مجرد منتجات، لكنها في الحقيقة ألوان إذا استخدمناها بطريقه علمية، تمنحنا طاقة إيجابية وفي الوقت نفسه تعطينا ألوانا احترافية جدا نستفيد منها”.

ويوضح الرسام السوداني طريقة استخراجه لهذه الألوان، مشيرا إلى أنه يمزج مستخلصات الألوان مع الصمغ العربي ومواد عضوية أخرى لضمان متانتها وثباتها على الرسومات.

واستخدم الفنان هذه الطريقة لسنوات عديدة وجمع مجموعة واسعة من اللوحات.

وكان الفاتح من بين الفنانين السودانيين الذين قاموا برسم جداريات خلال الاعتصام الشعبي قرب مقر القيادة العامة للجيش في وسط الخرطوم الذي دفع الجيش إلى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019.

ويقول “حملت جداريتي آنذاك شعار حرية سلام وعدالة، ولكن هذا الشعار مُحي إلى حد كبير منذ ذلك الوقت”.

ويضيف “لا يمكنني إعادة رسم هذه الجدارية حاليا، لقد حاولت ولكن تم إيقافي”.

وضربت السودان خلال السنوات الماضية وبفعل الأزمات السياسية موجةُ ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية بما في ذلك الغذاء والوقود والكهرباء وغيرها من الضروريات. كما ارتفعت المواد المخصصة للرسم فيما صار الكثير منها مفقودا من الأسواق.

ويشير الفاتح إلى أن طريقته في مزج الألوان في متناول اليد وفي متناول الفنانين الطموحين في جميع أنحاء السودان، قائلا “المواد الطبيعية التي أستخدمها رخيصة للغاية”. ويضيف “إنها متوفرة على نطاق واسع في السوق، ويمكن حتى الحصول على بعضها بالمجان”.

وبالفعل يتعامل كثير من الفنانين السودانيين والعرب مع القهوة والمنتجات الطبيعية كألوان متاحة ورخيصة، وكمادة خام لتلوين لوحاتهم بصورة عفوية، لكن معتز الفاتح يرى أنهم يستخدمونها بطرق خاطئة حيث يقوم الفنان بسكبها على اللوحة بصورة متعمدة لإضافة لمسة جمالية، فلو أراد ذات الفنان بيع لوحته، فإنه يقوم ببيع لوحة سريعة العطب، فمع مرور الوقت ستبهت القهوة، وبالتالي يقع المبدع في فخ عدم النزاهة والشفافية. لذلك ابتكر الفاتح طريقة لتثبيت الألوان سواء أكانت على الجدران أو الأقمشة أو الأوراق فتطيل عمر اللوحة.

واستخدام الأصباغ الطبيعية ليس بالشيء الجديد وهو معروف منذ رسومات الكهوف، أي قبل ما يزيد عن أربعين ألف سنة، وفي 2018 تم اكتشاف أقدم رسم في العالم وعمره 75 ألف سنة في كهف بلومبوس بجنوب أفريقيا. وتثبت الحفريات أن الإنسان قام عبر العصور بطحن الحجارة، والبذور والنباتات والحشرات والسخم الناتج عن حرق العيدان أو العظام وأنواع الطين المختلفة لعمل أصباغ مختلفة الألوان، كما استخدم البشر دهن الحيوانات وعصير النباتات وحتى اللعاب، والفضلات البشرية والدم وغيرها من المواد لتثبيت وخلط الألوان.

ورسم الإنسان بالماء والرمل، ورصف الحجارة الصغيرة والملونة ووضع أشكالا فنية بأوراق الأشجار المتساقطة، وغيرها من طرق استخدام مواد خام من الطبيعة في تجسيد لوحات فنية مبهرة، ثم اتجه إلى استخدام الألوان الحديثة سواء كانت زيتية أو مائية، إلى أن صرنا الآن نرى بعض التجارب التي تستفيد من تطور الحاضر لتعيد استخدام المواد البدائية الأولى دون الحاجة إلى مواد كيميائية ومنهم هذا الفنان السوداني.

وتخرج معتز الفاتح في كلية الفنون بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في عام 2005، وبدء في تدريب نفسه بالمشاركة في المسابقات والورش المتخصصة فنيا التي قادته مؤخراً للمشاركة في فعاليات فنية عالمية، وعمل الفاتح جاهدا على تطوير المواد المحلية لتصبح ضمن خامات الرسم العالمية، وذلك بعد أن شارك في عدة دورات تعليمية في كيمياء الألوان، وبعد التعمق في مجال الكيمياء توصل إلى طريقة تثبيت الألوان المستخلصة من النباتات بصورة احترافية، وصار يجوب دول العالم لعرض تجربته الخاصة.

مقالات ذات صلة